للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَعِنْدَ الْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ.

وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ وَأَنْفَقَ فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ إتْلَافَ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِ أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَقِيرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِذَا كَانَ هَذَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يُدْفَعُ كَسْبُ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ غَنِيًّا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ نَفَقَةُ أَبِيهِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا خَاصَمَتْ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ وَيَدْفَعُ النَّفَقَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالْأَوْلَادِ فَإِنْ قَالَ الْأَبُ إنَّهَا لَا تُنْفِقُ وَتُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَدَعْوَى الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَمِينِ لَا تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ فَإِنْ قَالَ لِلْقَاضِي سَلْ جِيرَانَهَا فَالْقَاضِي يَسْأَلُ جِيرَانَهَا احْتِيَاطًا.

وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مَنْ كَانَ يُدَاخِلُهَا فَإِنْ أَخْبَرَ جِيرَانُهَا بِمَا قَالَ الْأَبُ زَجَرَهَا الْقَاضِي وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمْ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ وَظَهَرَ قَدْرُ النَّفَقَةِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهَا جُمْلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ غَيْرَهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا جَازَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِهِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَائِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ الْأَبُ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ مِنْ جَانِبِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ وَهِيَ لِلْأُمِّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ فَهُوَ عَفْوٌ وَهِيَ مَا تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْدِيرِ الْقَدِيرِ وَإِنْ كَانَ لَا تَدْخُلُ طُرِحَتْ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِمْ يُزَادُ إلَى مِقْدَارِ كِفَايَتِهِمْ

(قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّفَقَةِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَعَسَى لَا تُقَدَّرُ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ وَنَقَلَ عَدَمَ الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْبَعْضِ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُجْبَرُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ؛ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمْرِيضِهِ وَمَوْتِهِ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ.

فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ قُدْرَةِ الْأَبِ بِالْمَالِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ

ــ

[منحة الخالق]

بَيْعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ غَيْرِهَا وَانْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْبَدَائِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِفَقِيرٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَخَادِمٌ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا) أَيْ بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُؤَاجِرَهُمْ أَيْ الذُّكُورَ فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّمُ الْكَسْبَ إمَّا قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَكِنْ لَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ اهـ

قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ وَصَارَ غَنِيًّا بِكَسْبِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهَا عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت فِيهَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ اسْتَغْنَتْ بِنَحْوِ خِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ مَعَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ كِفَايَتُهَا بِدَفْعِ الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إذَا بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَجِّرَ بِخِلَافِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إلْزَامِهَا بِحِرْفَةٍ تَعْلَمُهَا اهـ

قُلْت وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ عَدَمَ دَفْعِ الْأُنْثَى بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا لَا يَمْلِكُ الْأَبُ دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ اهـ

فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا لِلْمَحْرَمِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدْفَعُ لَهَا الْعَمَلَ لِتَعْمَلَ فِي بَيْتِهَا كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>