الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الِاخْتِلَافِيَّةَ يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ مُؤَثِّرًا فِي عَدَمِ الْقَبُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إنَّهُ يَقْضِي بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ إعَانَةٌ لَا أَنَّ تَعْيِينَ الْقَاضِي مُثْبِتٌ لَهَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الطَّلَبُ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مُوجِبًا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْكَثِيرَةِ أَمَّا الْقَلِيلَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَهِيَ مَا دُونَ الشَّهْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَبِعَهَا الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَاوِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِذَا فَرَضَ نَفَقَةَ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَلَمْ يَقْبِضْ سِنِينَ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ مَاتَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ الْمَوْتِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) يَعْنِي فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَلَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ اهـ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُوجِبَ لِفِرَارِهِمْ قُوَّةُ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا قَوِيَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ رَاعَوْا خِلَافَهُ وَاسْتَعَانُوا بِالْحُكْمِ كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
وَفِي النَّهْرِ وَأَجَابَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَكُونُ إيجَابًا مُبْتَدَأٌ أَيْ لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ أَخْذِ شَيْءٍ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ، وَقَدْ يَلْزَمُ الشَّيْءُ وَلَا يَجِبُ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ ذِمَّةَ الْمُعْسِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ ذِمَّتَهُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْوُجُوبِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَوَّلُ يَعْمَلُ فِيمَا سَبَقَ وَفِيمَا لَحِقَ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ فُلَانًا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ وَالثَّانِي لَا يَعْمَلُ فِيمَا مَضَى وَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ كَالْقَضَاءِ بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ، وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ، وَلَوْ تَسَاوَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ لَهُمْ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا فَالْقَضَاءُ فِي الْمُخْتَلَفِ يُصَيِّرُهُ عَلَى الْوِفَاقِ، وَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَارِثَ الصَّبِيِّ مِمَّنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ وَارِثَ الْأَبِ وَهُوَ الصَّبِيُّ أَيْ تُمَأَّنُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ مَالِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْمُدَّعِي؛ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِلُّ التَّنَاوُلِ لِوُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ وَهِيَ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ خُصُوصًا فِي الْأَمْوَالِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ مُمَارَسَةٌ بِالْفِقْهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَهُوَ نَظِيرُ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الذَّخِيرَةِ يُخَالِفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَأَمَّلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَتْرُوكَ هُوَ الِاسْتِدَانَةُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهَا لَا الْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَ وَفِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَقَعَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِالْإِنْفَاقِ وَعَزَاهُ إلَى النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا أَثَرَ لِإِنْفَاقِهِ مِمَّا اسْتَدَانَهُ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ بَعْدَمَا اسْتَدَانَ مِنْ مَالٍ آخَرَ وَوَفَّى مِمَّا اسْتَدَانَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا اسْتَدَانَ لِنَقْضِيَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَنْفَقَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ الدَّيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ إذَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِدَانَةِ، بَلْ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِالْمَسْأَلَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ