للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَنَا أَرَادَ أَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ لَا يَتَجَزَّأُ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ جَائِزٌ وَخُرُوجُهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ التَّمْلِيكِ وَالْمِلْكِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ عِنْدَهُمَا بِزَوَالِ الرِّقِّ أَصْلًا، وَعِنْدَهُ بِسُقُوطِ الْمِلْكِ عَنْ الشِّقْصِ الْمُعْتَقِ وَفَسَادِهِ فِي الْبَاقِي هَذَا مَا تَضَمَّنَهُ شُرُوحُ الْأَسْلَافِ وَالْأَخْلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَبَقِيَ الرِّقُّ فِيهِ بِتَمَامِهِ.

وَإِذَا لَزِمَ شَرْعًا أَنْ لَا يَبْقَى فِي الرِّقِّ لَزِمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَاقِي عِنْدَهُ وَمَا لَمْ يُؤَدِّ السِّعَايَةَ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عِتْقُ كُلِّهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَدَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِخْدَامَ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ بَعْضِهِ لَا إلَى مَالِكٍ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ تَضْمِينُهُ قَهْرًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ يُقَالُ وَيُفْسَخُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرُوا مَسْأَلَةً فِي الْجِنَايَاتِ يُخَالِفُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِيهَا الْمُكَاتَبَ أَيْضًا هِيَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا قُتِلَ عَمْدًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْمُكَاتَبَةِ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَذَكَرُوا فِي الْبُيُوعِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ فِي بَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ يُخَالِفُ فِيهَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ الْمُكَاتَبَ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا أَثَرَانِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْفَسْخِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأُطْلِقَ فِي الْبَعْضِ فَشَمِلَ الْمُعَيَّنَ وَالْمُبْهَمَ وَلَزِمَهُ بَيَانُهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْرِهِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا أَوْ يَضْمَنُ لَوْ مُوسِرًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَجَزُّؤُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ قَسْمٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلَهُ أَنَّهُ إنْ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صِبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هُنَا إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لَهُ الْإِعْتَاقَ وَالِاسْتِسْعَاءَ وَالتَّضْمِينَ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي التُّحْفَةِ خِيَارَيْنِ آخَرَيْنِ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَإِنَّمَا تَرَكَهُمَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ مِنْ السِّعَايَةِ يُؤَاجِرُهُ جَبْرًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ.

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ جَازَتْ، أَمَّا التَّدْبِيرُ فَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ فَإِنْ اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَدَبَّرَ نَصِيبَهُ صَارَ نَصِيبُهُ مُدَبَّرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَيَحْتَمِلُ التَّخْرِيجَ إلَى الْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرُ تَخْرِيجٌ لَهُ إلَى الْعِتْقِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>