إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِيَعْتِقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلْحَالِ فَيُؤَدِّي فَيَعْتِقُ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ. اهـ. فَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ رَاجِعَيْنِ إلَى السِّعَايَةِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُمَا حَيْثُ يَرْجِعَانِ إلَيْهَا قُلْتُ: بَلْ لَهُمَا فَائِدَةٌ أَمَّا فِي التَّدْبِيرِ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الْمُدَبَّرَ إذَا مَاتَ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَوْلَا التَّدْبِيرُ لَسَعَى لِلْوَرَثَةِ كَالْمُكَاتَبِ، أَمَّا فِي الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّ فَائِدَتَهَا تَعْيِينُ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكِتَابَةُ لَاحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمِهِ وَإِيجَابِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمِقْدَارِ وَلَا يَدُلُّ عَدَمُ جَوَازِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي صُلْحِ السَّاكِتِ مَعَ الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ صَالَحَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رِبًا. اهـ.
فَالْحَقُّ أَنَّ الْخِيَارَاتِ خَمْسَةٌ كَمَا هُوَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الشَّرِيكِ فَشَمِلَ الْعِتْقَ مُنَجَّزًا وَمُضَافًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْرِيجِهِ إلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ تَعَيَّنَ فَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ، فَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِينُ وَعَكْسُهُ نَعَمْ إذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ فَلَهُ الْإِعْتَاقُ وَإِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَطْلَقَ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْعَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ لَا إتْلَافٍ وَلِذَا كَانَ كُلُّ الْوَلَاءِ لَهُ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْقُطُ بِالرِّضَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ ضَمَانَ الْإِعْتَاقِ ضَمَانُ إتْلَافٍ.
وَلِذَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَإِنَّمَا مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ تَصْحِيحًا لَهُ لَا قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُضِعَ لِإِبْطَالِ الْمِلْكِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِمَا وُضِعَ لِإِبْطَالِهِ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَالْمُقْتَضِي تَبَعٌ لِلْمُقْتَضَى فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقْتَضِي وَالْمُقْتَضَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مَعَ الرِّضَا فَلِذَا تَبِعَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ جَمَاعَةً فَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ هُنَا فَفِي الْهِدَايَةِ ثَمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارَ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ بِهِ يُقَيَّدُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ اسْتَثْنَى الْكَفَافَ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفَافِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: ثُمَّ حَدُّ الْيَسَارِ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مَالِكًا لِمِقْدَارِ قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ سِوَى مَلْبُوسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ لَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ يَسَارُ الْمُعْتِقِ وَإِعْسَارُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَعْسَرَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ التَّضْمِينِ، وَلَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَثْبُتُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ التَّضْمِينِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْخِيَارَاتِ خَمْسَةٌ) بَلْ سِتَّةٌ بِزِيَادَةِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْبَدَائِعِ آنِفًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute