للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الضَّمَانَ مَتَى تَعَيَّنَ عَلَى الْمُعْتِقِ أَوْ السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ شَرْعًا بَرِئَ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا تَعَيَّنَ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ الْآخَرُ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا يُقَوَّمُ الْعَبْدُ لِلْحَالِ.

؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ لِلْحَالِ بِالْعِيَانِ وَرَفْعُ اخْتِلَافِهِمَا بِالْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ بِالْعِيَانِ؛ لِأَنَّ أَوْصَافَهُ تَتَغَيَّرُ بِالْمَوْتِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالسَّاكِتُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالْمُعْتِقُ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ سَابِقٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ قَدْ تَزْدَادُ وَقَدْ تَنْقُصُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِإِنْكَارِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْقِيمَةِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْته يَوْمَ كَذَا وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَقَالَ السَّاكِتُ أَعْتَقْته لِلْحَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يُحْكَمَ بِحُدُوثِهَا حَالَ ظُهُورِهَا فَمَنْ ادَّعَى الْحُدُوثَ حَالَةَ الظُّهُورِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فَكَانَ الْعِتْقُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا لِلْحَالِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ فِي قِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ اخْتَلَفَ السَّاكِتُ وَالْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي يَسَارِ الْمُعْتِقِ وَإِعْسَارِهِ وَالْعِتْقُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْخُصُومَةِ إنْ كَانَتْ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْيَسَارَ وَشَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ يُعْتَبَرُ لِلْحَالِ فَإِنْ عُلِمَ يَسَارُ الْمُعْتِقِ لِلْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُعْتِقُ أَوْ السَّاكِتُ.

فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ شُرِعَ لِجَبْرِ الْفَائِتِ فَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّ التَّلَفِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ فَصَارَ مُكَاتَبًا لَهُ وَهَلْ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ الْعَبْدِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْمُعْتِقُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ، وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ وَالْعِتْقُ فِي صِحَّتِهِ يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَوْفَى مِنْ مَالِهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ السَّاكِتُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فَإِذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْعِتْقَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلَهُمْ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِوَرَثَتِهِ الْإِعْتَاقُ الْإِبْرَاءُ لَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَلَا تُورَثُ رَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَكِنْ لَهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ السِّعَايَةِ كَذَا هَذَا اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ إلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَوْ مَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتِقِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عِنْدَهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ ضَرُورَةً.

قَالَ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ وَأَدَّى الضَّمَانَ مَلَكَ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَيُخَيَّرُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ. اهـ.

وَلِذَا كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَسْعَى لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُعْتِقِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا قَدَرَ عَلَى دَفْعِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>