للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهِيَ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِحَيَاةِ الْمَوْلَى وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ وَطْئِهِنَّ وَاسْتِخْدَامِهِنَّ، وَالْحِيلَةُ فِي أَنْ يُبَاحَ لَهُ وَطْؤُهُنَّ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فَتَحِلَّ لَهُ الْحُرَّةُ مِنْهُنَّ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْبَيَانِ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ لِيُبَيِّنَ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ وَلَا بَيِّنَةَ وَجَحَدَ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقْته.

فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا عَتَقَا وَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا أُمِرَ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَرْتَفِعُ بِالْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ عَتَقَ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَهُ عَتَقَ هُوَ وَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا وَكَانَا أَمَتَيْنِ يُحْجَبُ عَنْهُمَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَالْبَيَانُ فِي هَذِهِ الْجَهَالَةِ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ فَالنَّصُّ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِقَوْلِهِ، أَمَّا الدَّلَالَةُ أَوْ الضَّرُورَةُ فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَقُولَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ كَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَحَدِهِمَا تَصَرُّفًا لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إذَا كَانَا أَمَتَيْنِ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ الْأُخْرَى بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كُنَّ عَشْرًا فَوَطِئَ إحْدَاهُنَّ تَعَيَّنَتْ الْمَوْطُوءَةُ لِلرِّقِّ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَتَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَاتُ لِكَوْنِ الْمُعْتَقَةِ فِيهِنَّ فَتَتَعَيَّنُ بِالْبَيَانِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إلَى التَّاسِعَةِ فَتَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ لِلْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَيَانِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَطَأَ الْبَاقِيَاتِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَوْ فَعَلَ جَازَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ هِيَ الْمَيِّتَةُ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِلْمِلْكِ فَوَقَفَ تَعَيُّنُهَا لِلْعِتْقِ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى هَذَا مَمْلُوكٌ وَأَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ دَلَالَةً أَوْ ضَرُورَةً.

وَلَوْ بَاعَهُمَا جَمِيعًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَكَذَا لَوْ كَانُوا عَشْرَةً بَاعَهُمْ صَفْقَةً، وَلَوْ بَاعَهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ الْبَيْعُ فِي التِّسْعِ وَتَعَيَّنَ الْعَاشِرُ لِلْعِتْقِ، أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى كُلٌّ فِي نِصْفِهِ كَمَا فِي الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مَعَ اخْتِصَارِ وَحَذْفِ الدَّلَائِلِ.

(قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ وَالْمَوْتُ وَالتَّحْرِيرُ وَالتَّدْبِيرُ بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَالتَّحْرِيرِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ دَلَالَةً وَالِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِالتَّحْرِيرِ أَنْ يُعْتِقَ أَحَدَهُمَا نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ لَا بَيَانَ لِلْمُبْهَمِ فَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَنْت حُرٌّ أَوْ أَعْتَقْتُك وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِالْعِتْقِ السَّابِقِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا عَتَقَا جَمِيعًا هَذَا بِالْإِعْتَاقِ الْمُسْتَأْنَفِ وَذَلِكَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الَّذِي لَزِمَنِي بِقَوْلِي أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك عَلَى اخْتِيَارِ الْعِتْقِ أَيْ اخْتَرْت عِتْقَك وَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَهِبَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ صَدَقَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ إجَارَتِهِ أَوْ الْإِيصَاءِ بِهِ أَوْ تَزْوِيجِهِ فَكَانَ إقْدَامُهُ دَلِيلًا عَلَى اخْتِيَارِهِ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ فِي الْآخَرِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ.

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنُزُولِهِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ فِي الْمُتَصَرَّفِ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً وَشَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِيَكُونَ تَمْلِيكًا، وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا كَانَتْ بَيَانًا فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَوْلَى بِلَا قَبْضٍ وَفِي الْكَافِي أَنَّ ذِكْرَ التَّسْلِيمِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَأُطْلِقَ فِي الْبَيْعِ فَشَمِلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَشَمِلَ الْمُطْلَقَ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) أَيْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ الْحُرُّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْيَمِينِ هَكَذَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي الْعَتَاقِ وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا اُسْتُحْلِفَا فَحَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ يَعْتِقُ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ لِلْأَوَّلِ وَاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِرِقِّيَّتِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً لِأَحَدِهِمَا عَيْنًا هَذَا عَبْدٌ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهُ الْحُرِّيَّةُ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي إحْدَاهُمَا فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَلَالَ الْوَطْءِ.

(قَوْلُهُ: فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَطَأَ الْبَاقِيَاتِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ يُمْنَعُ عَنْ وَطْئِهِنَّ وَاسْتِخْدَامِهِنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ آنِفًا مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْحُرَّةُ وَوَطْءُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ حَرَامٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْحَرَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِالتَّحَرِّي تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ الْمَيِّتَةَ لَا تَتَعَيَّنُ لِلْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ هُنَاكَ غَيْرُ نَازِلَةٍ فِي إحْدَاهُنَّ وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْحُرِّيَّةِ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيَانِ إظْهَارٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ مِنْ الْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>