للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِتَخْلِيَةِ الْأَلْفِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَحُجُّ بِهَا " لِبَيَانِ الْغَرَضِ تَرْغِيبًا لِلْعَبْدِ فِي الْأَدَاءِ حَيْثُ يَصِيرُ كَسْبُهُ مَصْرُوفًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ: إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ وَقَالَ: خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِيُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَابٌ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَقَامَ أَدَاؤُهُ مَقَامَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يَعْتِقَا إلَّا إذَا قَالَ: أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ عَتَقَا وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمُؤَدِّي لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ مَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ بِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ فِيمَا إذَا بَعَثَ مَعَ غَيْرِهِ الْمَالَ فَلَا إشْكَالَ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ اهـ.

وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّهُ لَوْ حَجَرَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ هَلْ يَصِحُّ حَجْرُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَصِحُّ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ فَيَمْلِكُ حَجْرَهُ بِالْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِتَأْخِيرِ الْعِتْقِ عَنْ الْمَوْتِ إلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِقَبُولِهِ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ، أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَوْتِ إلَى أَنْ يَقْبَلَ، وَالْعِتْقُ مَتَى تَأَخَّرَ عَنْ الْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَالْوَصِيَّ يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا فَقَطْ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَارِثِ وَصَرَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ، وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ حُكْمًا لِكَلَامِ صَدْرٍ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا بِإِعْتَاقٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْوَفَاةِ أَيْضًا فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْحُكْمِيَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَهُ وَهُنَا قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُعَلِّقِ وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ وَمَتَى خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقَعُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِهَا وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْقَبُولُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْوَارِثَ الْإِعْتَاقُ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إعْتَاقِ أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْأَصَحِّ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْمَالِ، أَوْ يُقَدِّمَهُ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>