نُقِلَ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى - أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي - " إنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ " لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَيَّدَ بِأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ فِيهِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَحْثًا حَسَنًا فَرَاجِعْهُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَبُولَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ حُجَّ عَنِّي حَجَّةً بَعْدَ مَوْتِي وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ يَحُجُّ عَنْهُ حَجًّا وَسَطًا، ثُمَّ يُعْتِقُهُ الْوَرَثَةُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِغَيْرِ مَالٍ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ مَعَ هَذَا بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْهَا لِلْعَبْدِ وَيَسْعَى لِلْمُوصَى - لَهُ - فِي رُبُعِ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ - وَلِلْوَرَثَةِ - فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُوصَى لَهُ بِعِتْقِ جَمِيعِ رَقَبَتِهِ فَيَضْرِبُ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَالْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ فَصَارَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَجَمِيعُ الرَّقَبَةِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَسَلِمَ لِلْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى لِلْمُوصَى لَهُ فِي سَهْمٍ، وَلِلْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ وَلَوْ قَالَ: ادْفَعْ إلَى الْوَصِيِّ قِيمَةَ حَجٍّ يَحُجُّ بِهَا عَنِّي فَدَفَعَ فَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُعْتِقُوهُ وَلَا يُنْتَظَرَ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِمَالٍ وَالْحَجَّ مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَجِّ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ نُظِرَ إنْ كَانَتْ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ نَافِذَةٌ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ إلَى الْوَصِيِّ مِقْدَارَ حَجَّةٍ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْحَجَّ فَحَجَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: ادْفَعْ إلَى الْوَصِيِّ قِيمَةَ حَجَّةٍ فَإِذَا دَفَعْتَهَا إلَيْهِ فَحَجَّ بِهَا عَنِّي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ مَا لَمْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ قَالَ حُجَّ عَنِّي بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ وَأَبَى الْوَرَثَةُ خُرُوجَهُ لِلْحَجِّ وَلَا مَال لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُ فَلَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْدُمَهُمْ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ ثُلُثَيْهِ صَارَ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً، وَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ عَنْ خِدْمَتِهِمْ، وَإِذَا حَجَّ وَجَبَ إعْتَاقُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْوَرَثَةِ عَنْ مَنْفَعَتِهِ وَخِدْمَتِهِ فَيَحْبِسُونَهُ وَيَسْتَخْدِمُونَهُ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِمْ فَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: اُخْرُجْ فِي هَذَا الْعَامِ فَقَالَ أَخْدُمُكُمْ الْعَامَ وَأَخْرُجُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ فِي الْعَامِ، وَإِلَّا أَبْطَلَ الْقَاضِي وَصِيَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْوَرَثَةُ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ فَلَهُ أَنْ يَحُجَّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ قَالَ: حُجَّ عَنِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَوْ قَالَ: حُجَّ عَنِّي بَعْدَ مَوْتِي بِخَمْسِ سِنِينَ وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَتْرُكُوهُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ لَمْ تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَأَقَامَ أَشْهُرًا، ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ بَطَلَ عِتْقُهُ وَإِنْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ فَأَمْضَى فِيهِ الْعِتْقَ، ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَنْ لَا تَشْرَبَ الْخَمْرَ فَهُوَ حُرٌّ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ لَمْ يَشْرَبْ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت فَأَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت حُرٌّ إنْ شِئْتَ كَانَتْ الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْغَدِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت كَانَتْ الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت حُرٌّ غَدًا كَانَتْ الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ أَنْت حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ إلَخْ) سَيَأْتِي جَوَابُهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) أَيْ بَحَثَ فِي فَرْعِ التَّدْبِيرِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ فِي التَّدْبِيرِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ مُتَحَقَّقٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي تِلْكَ قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَحَقِيقَتُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَالْقَبُولُ بَعْدَهُ وَحَاصِلُ بَحْثِ الْمُحَقِّقِ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا إعْتَاقٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْت مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِلَا فَرْقٍ بَلْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ كَلَفْظِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ فِي إنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ نَاطِقٍ، ثُمَّ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَرْعًا عَلَى صِحَّةِ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ التَّدْبِيرُ لَا أَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ هُوَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرْقُ.
وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَهُ صَحَّ أَنْ يُطْلَقَ وَيُرَادَ بِهِ حُكْمُهُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ فَتَأَمَّلْ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فَاحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ حَالًا، ثُمَّ أَضَافَهَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا إنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْخَانِيَّةِ إنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنْ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَايَةِ الْبَيَانِ فَيُقَالُ: لِمَ لَمْ يَعْكِسْ وَيَقُولُ: إنَّ مَا فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ وَخَطَّأَهُ فِيهِ اهـ. كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute