للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ الْمُضَافَ إلَى الْغَدِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَقْتَضِي الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَضَافَ الْإِعْتَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى الْغَدِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْغَدِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً فَقَبِلَ عَتَقَ وَخَدَمَهُ) يَعْنِي مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشَّيْءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لَا وُجُودُ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ سَنَةً، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَنَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْخِدْمَةَ هِيَ الْخِدْمَةُ الْمَعْرُوفَةُ بَيْنَ النَّاسِ قَيَّدَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: أَنْت حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ وَرَدَّتْ قِيمَتَهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَرُدُّ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا إنْ خَدَمَتْهُ عُمُرَهُ، أَوْ عُمُرَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَخْدُمَهُ عُمُرَهُ أَوْ عُمُرَهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا اهـ.

وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَمَّا إذَا حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَقَبِلَ الْعَبْدُ وَعَتَقَ وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ فَمَا حُكْمُ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلِاكْتِسَابِ بِسَبَبِ خِدْمَةِ الْمَوْلَى هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاكْتِسَابِ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ الِاكْتِسَابِ فَيَخْدُمَ الْمَوْلَى الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى الْمَيْسَرَةِ، قَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتَنِي كَذَا مُدَّةً فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقَ حَتَّى يَخْدُمَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَالْأَوَّلُ مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ يُصَرِّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ إذْ الْخِدْمَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ اُخْدُمْنِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ السَّاعَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْخِدْمَةِ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ: إذَا خَدَمْتِ ابْنِي وَابْنَتِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَا فَأَنْت حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ تَخْدُمُهُمَا حَتَّى يُدْرِكَا فَإِنْ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ تَخْدُمُهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَا مُدْرِكَيْنِ تَخْدُمُ الْبِنْتَ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَالِابْنَ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ ثَمَنُ جَارِيَةٍ فَإِذَا زُوِّجَتْ الْبِنْتُ وَبَقِيَ الِابْنُ تَخْدُمُهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا كَبِيرَانِ أَوْ صَغِيرَانِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اهـ.

وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ " إنْ خَدَمْتنِي كَذَا ": لَوْ خَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَنْ خِدْمَتِهِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي سَنَةً فَمَاتَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ لَا يَعْتِقُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ تَجِبُ قِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ قَبْلَ الْخِدْمَةِ وَجَبَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَاسْتُحِقَّ وَسَوَّوْا بَيْنَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَمَوْتِ الْعَبْدِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى وَقَالَ: هَذَا غَلَطٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَلْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ مَا بَقِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ دَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَاسْتَوْفَى بَعْضَهَا وَمَاتَ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُوَرَّثُ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا فَإِنَّ خِدْمَةَ الْفُقَرَاءِ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخِدْمَةَ الشَّيْخِ لَيْسَتْ كَخِدْمَةِ الشَّابِّ - وَقَدْ تَكُونُ الْوَرَثَةُ كَثِيرِينَ -، وَخِدْمَةَ الْوَاحِدِ أَسْهَلُ مِنْ خِدْمَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَيَّدْنَا بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَدَمَهُ بَعْضَ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ مَرَضًا لَا يُمْكِنُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا: رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ فَقَبِلَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ شَهْرًا فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: تَرُدُّ قِيمَتَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَرُدُّ قِيمَتَهَا شَهْرًا وَفِيهِ أَيْضًا بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَ فُلَانًا سَنَةً فَالْقَبُولُ إلَى فُلَانٍ فَإِنْ قَبِلَ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْدُمْهُ رَدَّ الْعَبْدُ قِيمَتَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاكْتِسَابِ إلَخْ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَوْلَى فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُجْعَلَ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِخِدْمَتِهِ، وَالْحَبْسُ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي فَإِنْ مَرِضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا مَرِضَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَوْلَاهُ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَا فِي الْبَحْرِ وَقِيَاسُهُ فِي الْمِنَحِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْمُوصَى بِهِ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ يَخْدُمُ فِي مُقَابَلَةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَأْجِرِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>