للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا: وَهُوَ كَوْنُ الْخَبَرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَمِينُ مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مُتَمَثِّلًا بَيْنَ الْبِرِّ وَالْهَتْكِ فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ اهـ.

وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ وَحُكْمُهَا شَيْئَانِ وُجُوبُ الْبِرِّ بِتَحَقُّقِ الصِّدْقِ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَالثَّانِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَفْضَلُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَقْلِيلُهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمَاضِي نِسْبَةَ نَفْسِهِ إلَى الْكَذِبِ، وَفِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَعْرِيضَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْهَتْكِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلْحَدِيثِ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِمَا رَوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ الْعَجْلَانِيُّ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا غَمُوسٌ) بَيَانٌ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْأَوَّلُ الْغَمُوسُ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ سُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ، ثُمَّ فِي النَّارِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا أَطْلَقَ فِي الْمَاضِي فَشَمِلَ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فَإِنْ قُلْت: إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْحَلِفَ عَلَى الْفِعْلِ قُلْتُ: تُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إذَا أُرِيدَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: كَذِبًا عَمْدًا حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفِهِ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَابِعًا وَكَأَنَّهُ سَمَّاهُ ثَالِثًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ فَهُمَا فِي الْمَعْنَى شَرْطٌ وَاحِدٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَكْرُوهَةٌ) هَذَا بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِمَا فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ: لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ شَامِلٌ لِلنَّوْعَيْنِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالتَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ اهـ.

وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ التَّبْيِينِ فَوَجَدْتهَا تُفِيدُ مَا قُلْنَا وَنَصُّهَا وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ، أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ: وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي وَنَحْوَهُ انْتَهَتْ. أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي لَا يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّ الْحَالِفَ إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ فَتَثِقُ بِمَنْ حَلَفَ لَك بِهِ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ قَوْلَهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَيُفِيدُ الْوَثِيقَةَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ لَعَمْرِي وَلَعَمْرُ اللَّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَعَمْرُ اللَّهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَوْلِنَا لَعَمْرُ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ اهـ.

لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ اهـ.

وَانْظُرْ مَا فِي أَوَائِلِ حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ لِحَسَنِ جَلَبِي: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَا يُكْرَهُ وَذَلِكَ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ مِثْلُ وَأَبِيكَ وَحَيَاتِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ مُشَارَكَةَ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ وَأَمَّا إقْسَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا عَنْهُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>