حَلِفًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْغَمُوسَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةَ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ.
وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَاضِي فِي الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ قَالُوا وَيَتَأَتَّيَانِ أَيْضًا فِي الْحَالِ فَفِي الْغَمُوسِ نَحْوُ وَاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَوَاَللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمْرٌو، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا وَقَعَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَاضِي فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطٌ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَإِنْ قُلْت: الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْتُ: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَالْإِخْبَارُ الْمُعَلَّقُ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ فَزَمَانُ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ وَأَمَّا إذَا قَالَ سَوْفَ أَكْتُبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ يَعْنِي ابْتِدَاءَ الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي - صَادِقًا - لَيْسَ مِنْهَا، وَجَوَابُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لَيْسَ بِدَافِعٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ كَاللَّغْوِ لَا إثْمَ فِيهَا فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ.
(قَوْلُهُ: وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ - وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ - لَغْوٌ فَقَوْلُهُ ظَنًّا مَعْطُوفٌ عَلَى كَذِبًا سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَا، وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّغْوُ الْبَاطِلُ مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُ اللَّغْوُ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبَ وَقَدْ لَغَا فِي الْكَلَامِ يَلْغُو وَيُلْغِي وَلَغَا يُلْغِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَقَدْ لَغَوْت وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ أَنَّهَا الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكٍ، أَوْ صِفَةٍ وَالْأَمْرُ بِضِدِّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ، أَوْ قَالَ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فِي الْكُلِّ وَمِنْ الصِّفَاتِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِ كَذَا فَحَلَفَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَرْجُو أَنْ لَا يَحْنَثَ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنَّ الْمُقْبِلَ زَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً، أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي، أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ، أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ، أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ.
وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا) مَثَّلَ لَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ - فِي حَالِ قِيَامِهِ - وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْحَالِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَمْسِ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ اهـ.
وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْحَصْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: خَطَأً، أَوْ غَلَطًا) الْخَطَأُ فِي الْجَنَانِ، وَالْغَلَطُ فِي اللِّسَانِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَحَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِخِلَافِهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ قَائِمٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ وَقَالَ لَيْسَ بِقَائِمٍ فَهُوَ غَلَطٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَارَّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَمِينُ اللَّغْوِ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَهُوَ يُقَرِّرُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ إلَخْ) إنَّمَا نَسَبَهُ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اللَّغْوِ هُوَ مَا عَزَاهُ إلَى أَصْحَابِنَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا إنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ هِيَ مَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ هِيَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إنَّهَا تَكُونُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَيْضًا وَمُحَمَّدٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَصَارَ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ