أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالسُّخْطِ وَالْغَضَبِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَكُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَأَلْحَقُوا صِفَاتِ الذَّاتِ بِالِاسْمِ وَلَمْ يُلْحِقُوا صِفَاتِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَّامِيَّةَ مُؤْمِنُونَ وَالْمُعْتَزِلَةَ كَافِرُونَ لِدُعَائِهِ لِلْأَوَّلِينَ بِالْهِدَايَةِ وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِاللَّعْنِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ وَفِي التَّبْيِينِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ كُلَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ وَكُلَّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ.
وَفِي الْمُسَايَرَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالْمُرَادُ صِفَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ لَهَا أَسْمَاءٌ غَيْرُ اسْمِ الْقُدْرَةِ يَجْمَعُهَا اسْمُ التَّكْوِينِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَثَرُ مَخْلُوقًا فَالِاسْمُ الْخَالِقُ وَالصِّفَةُ الْخَلْقُ، أَوْ رِزْقًا فَالِاسْمُ الرَّازِقُ وَالصِّفَةُ التَّرْزِيقُ، أَوْ حَيَاةً فَهُوَ الْمُحْيِي، أَوْ مَوْتًا فَهُوَ الْمُمِيتُ فَادَّعَى مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ تَعَالَى خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِتَعَلُّقٍ خَاصٍّ فَالتَّخْلِيقُ هُوَ الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا.
وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ أُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ أَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا لِلْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: ٢] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: حَلَفْت، أَوْ أَقْسَمْت، أَوْ شَهِدْت بِاَللَّهِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ بِالْأَوْلَى وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا فِيهِ وَصَحَّحَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا نِيَّةٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا فَإِنْ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ إذَا نَقَضَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا أَيْمَانٌ فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ لَيْسَ بِيَمِينٍ مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ " عَلَيَّ نَذْرٌ " يَمِينٌ، وَإِنْ سَكَتَ وَفِي الْمُنْتَقَى وَجَامِعِ الْكَرْخِيِّ مَا يُشْبِهُ خِلَافَ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قُلْتُ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَكُونُ يَمِينًا مَا لَمْ يُعَلِّقْ بِشَيْءٍ اهـ.
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ تَنْعَقِدُ يَمِينًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، أَوْ لَا مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَهُوَ سَهْوٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَوَهُّمٌ وَخَبْطٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِسِتْرِ الذَّنْبِ فِي نَقْضِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ نَقْضُ الْيَمِينِ فَتَجِبَ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: عَلَيَّ يَمِينٌ فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينَ الْغَمُوسِ أَوْ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعُقُوبَاتُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا فِي الْمُنْعَقِدَةِ عِنْدَ قِيَامِ الْبِرِّ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثُ وَلَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute