بِالِاسْمِ حَلِفًا بِالذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ اهـ.
وَالْعُرْفُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: اللَّهَ لَا تَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ أَنْ يَحْلِفَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالِفًا لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ جَوَابٌ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْوَعْدَ لَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ الْحَالِفُ وَالْمُبْتَدِئُ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا فَفِي قَوْلِهِ اللَّهَ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ، وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ اهـ.
وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوَّلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ عِنْدَ قِيَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا اهـ.
فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ الْحَلِفُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحِيمِ عَلَى الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَسْمَائِهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً، أَوْ مُشْتَرَكَةً كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْعَزِيزِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا كَانَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلَا يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة لَوْ قَالَ: وَالطَّالِبِ وَالْغَالِبِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ.
وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا مَوْقُوفٌ عَلَى التَّعَارُفِ، وَإِنَّمَا بَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهَا يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: ٢١] وَأَمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ أَنَّ الْحَلِفَ يَكُونُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتٍ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةِ ذَاتٍ، أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُنْظَرُ إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ فِي الْحُرْمَةِ كَذَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَغْيَارِ اللَّهِ بَلْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ فِي ذَاتِهِ خِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْكَرَّامِيَّةُ - هَدَاهُمْ اللَّهُ -: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٍ حَادِثَةً وَذَاتُهُ مَحَلُّ الْحَوَادِثِ وَخِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ صِفَاتٌ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثَّرَهُمْ اللَّهُ صِفَةُ ذَاتِهِ كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا الْعِلْمَ لِمَا تَبَيَّنَ، وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَقُولُ: أَوَّلًا الْمَوْجُودُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّالِبُ الْغَالِبُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ يَمِينٌ وَلَوْ كَانَ بِوَاوٍ لَكَانَ يَمِينَيْنِ، وَثَانِيًا الْمُحَقِّقُ أَرَادَ إثْبَاتَ كَوْنِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِدْ لَهُ دَلِيلًا سِوَى الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ " غَالِبٍ " صِفَةً فَجَمْعُهُ مَعَ الطَّالِبِ جَوَّزَ كَوْنَهُ يَمِينًا كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ صَارَ بِالْوَصْفِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى فَسَاغَ الْحَلِفُ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ التَّعَارُفَ بِهِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ كَوْنَهُ يَمِينًا، أَوْ أَيَّدَهُ فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ كَلَامُ الْكَمَالِ بِمَا فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَا تَصْرِيحَ بِمَا يُخَالِفُهُ اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ: الطَّالِبَ الْغَالِبَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ. فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: مَمْنُوعٌ فَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا بِعِلْمِهِ إلَخْ