بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ بِتَفْسِيرِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ مَعَ ظَنِّ الْبِرِّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ فَمَا لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَأَيْضًا فَتَفْسِيرُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسَ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ النَّاسِيَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ كَذَلِكَ فِي بَيْتِهِ لَا يَقْصِدُ التَّكَلُّمَ بِهِ بَلْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ غَيْرَ مُرَادٍ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الْهَازِلِ، فَحَمْلُ النَّاسِي عَلَى اللَّاغِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْهَازِلِ وَهُوَ الَّذِي أُدِينُهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ غَافِلًا اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ اهـ.
وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَصَوَّرَةٌ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَنَسِيَ فَحَلَفَ اهـ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا إنْ حَلَفَهُ كَانَ نَاسِيًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْخَاطِئُ وَهُوَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الْحَلِفِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْحَلِفُ اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا فَنَسِيَ أَنَّهُ كَيْفَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالصَّوْمِ قَالُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ النِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ مِنْ الشَّرْطِ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ عِنْدَنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحِنْثَ هُوَ عَيْنُ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ.
قَيَّدَ بِالْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَأَوْجَرَ، أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَوْ صُبَّ فِي فِيهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فَأَمْسَكَهُ، ثُمَّ شَرِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ وَاَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ، وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) بَيَانٌ لِأَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَقَوْلُهُ: بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بَيَانٌ لِلْحَلِفِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِغَيْرِهَا كَعَادَةِ الشُّطَّارِ فَيَمِينٌ قُلْتُ: فِعْلُ هَذَا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ بِاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ فَيَمِينٌ أَيْضًا اهـ.
بِلَفْظِهِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَللَّهِ اللَّفْظُ وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَلَوْ قَالَ وَبِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمِ اللَّهِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَكَانَ الْحَلِفُ
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّ فِي الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا وَتَخَلُّفَهُ فِيمَا ذُكِرَ لِعَارِضٍ فَلَا يَرِدُ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا، وَإِنْ لَمْ يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا لَكِنْ تَعَلَّقَ النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ النِّسْيَانُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ.