للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ التَّقْدِيرُ عُرْفًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزِّيَادَاتِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يُقَدِّرُ وَقَدْ لَا يُقَدِّرُ اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْدُورِ بِهِ لَمْ يَكْثُرْ كَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِ عَلَى الْمَعْلُومِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْمَقْدُورَ لَا يَكُونُ يَمِينًا اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَعَذَابِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَرِضَاهُ وَلَعْنَةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: بِصِفَةِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ كَذِكْرِ الِاسْمِ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَيْ لَا يَكُونُ حَالِفًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ مَعَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ وَالنُّقُوشُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ، وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ إذَا قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ الْعُرْفِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِجَانٍّ مُرِيدٍ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِحَيَاةِ رَأْسِكَ وَحَيَاةِ رَأْسِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِرَّ فِيهِ وَاجِبٌ يَكْفُرُ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ لَقُلْت: إنَّهُ شِرْكٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَى مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا اهـ.

قَيَّدَ بِالْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهَا يَمِينٌ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ إنْ فَعَلَ كَذَا كَمَا قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَدِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، أَوْ حُدُودِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ، أَوْ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. .

(قَوْلُهُ: وَحَقِّ اللَّهِ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ؛ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ اهـ.

قَيَّدَ بِالْحَقِّ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَحَقًّا، أَوْ حَقًّا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا، أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى، وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِحَقِّ الرَّسُولِ، أَوْ بِحَقِّ الْإِيمَانِ أَوْ بِحَقِّ الْمَسَاجِدِ، أَوْ بِحَقِّ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى " وَحُرْمَةِ اللَّهِ " نَظِيرُ قَوْلِهِ " وَحَقِّ اللَّهِ "، وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ بِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ وَبِحُرْمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. .

(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسُخْطُهُ، أَوْ أَنَا زَانٍ وَسَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ، أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ

ــ

[منحة الخالق]

هُوَ كَوْنُ " بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " يَمِينًا وَاحِدًا وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة الَّتِي نَقَلْنَاهَا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَانَتِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ التَّعَارُفَ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ، وَلَفْظُ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ (قَوْلُهُ: وَحَقًّا أَوْ حَقًّا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي بِالْوَاوِ وَبِلَا وَاوٍ (قَوْلُهُ: وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا) ضَعَّفَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ وَضَعَّفَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقِّ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَعُلِمَتْ الْمُغَايَرَةُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا فَكَذَا بِحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ) أَيْ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَقِبَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّدُوا الْحَلِفَ بِهِ كَانَ يَمِينًا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>