وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ هُوَ زَانٍ إلَى آخِرِهِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ، أَوْ لَا تَحْتَمِلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ التَّعَارُفِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْفِعْلِ يَصِيرُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، وَوُجُودُ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ لَازِمًا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِبًا امْتِنَاعَهُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِالرِّضَا بِهِ يَكْفُرُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ، أَوْ اعْتِقَادٍ وَالرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَيُوجِبُ عِنْدَهُ الْكُفْرَ لَوْلَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ، أَوْ الْخِنْزِيرَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ أَصْلُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ مَا كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَسْقُطُ كَأَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَيَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ الْمَجُوسُ، أَوْ الْيَهُودُ فَعَلَى عُنُقِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ اسْتِحْلَالَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ هُوَ الِاسْتِحْلَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْلَالِ فَلِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الدَّمِ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: عَصَيْت اللَّهَ تَعَالَى إنْ فَعَلْت كَذَا، أَوْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا افْتَرَضَ عَلَيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
(قَوْلُهُ: وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ وَلَوْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْيَمِينِ لَأَنَّثَهُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: ٢٣] وَقَالَ تَعَالَى {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: ٦٣] وَقَالَ تَعَالَى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] وَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُشْرِكْ} [لقمان: ١٣] .
وَقَدَّمَ الْبَاءَ قَالُوا هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ وَالْأَصْلُ أَحْلِفُ، أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ تُلْصِقُ فِعْلَ الْقَسَمِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ، ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ فَهْمِ الْمَقْصُودِ وَلِأَصَالَتِهَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ بِكَ لَأَفْعَلَنَّ.
ثُمَّ ثَنَّى بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا لِلْمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ وَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا عَلَى الْمُضْمَرِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ) أَيْ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الزِّنَا وَأَمَّا الزِّنَا فَفِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي النَّهْرِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُ التَّبْيِينِ " لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ " يُفِيدُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِتِلْكَ الْحَالَاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ إلَخْ) أَيْ أَنْ يُعَلِّقَ شَيْئًا كَالْكُفْرِ يُوجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُوجِبُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَلَّقَ يَلْزَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت فَهُوَ كَافِرٌ فَإِنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الدُّخُولِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِ الْكُفْرِ عِنْدَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ " أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا جَدْوَى لَهُ لِعَدَمِ الشَّكِّ فِي حِلِّهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ تَوَهُّمُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ فِي النَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَيْدٌ فِي الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ كُفْرٌ فَقَدْ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ قُلْنَا اسْتِحْلَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ تَصِيرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَلَالًا وَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْلَالُ هَذِهِ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَا يَصِيرُ يَمِينًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْكَارُ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ كَالْكُفْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا وَكُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ بِحَيْثُ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
(قَوْلُهُ: لَا تَقُولُ أَحْلِفُ