للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الذَّبْحُ لَا التَّصَدُّقُ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ إنْسَانٌ فَمَهُ فَلَمْ يُتِمَّ الْكَلَامَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ ثَمَّةَ إذَا وَصَلَ الشَّرْطَ بَعْدَمَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ فَمِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَيُكَلَّفُ لِعَدَمِهِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِجَعْلِ هَذَا الِانْقِطَاعِ غَيْرَ فَاصِلٍ كَمَا لَوْ حَصَلَ الِانْقِطَاعُ بِالْعُطَاسِ، أَمَّا الصَّدَقَةُ عِبَادَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ لِعَدَمِهَا وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَثَلًا فَدَخَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ بِمَنْزِلَةِ التَّشْبِيهِ وَلَيْسَ فِي التَّشْبِيهِ إيجَابٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابَ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُكَفِّنَ الْمَيِّتَ، أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ فَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً كَانَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ عُمُرِهِ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفَى بِهِ إلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ مُسَمًّى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا نَحْوُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَجُعِلَ مَا نَوَى كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَذَا إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ أَبِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَإِنْ نَوَى مُعَيَّنًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا كَفَّرَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصِّيَامِ، وَأَدْنَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَيِّفَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا يَلْزَمُهُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عَنِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَذَهَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ، وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ إلَّا إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا - أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بَرَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ إلَخْ) تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَقَوَّاهُ بِنَصِّ الدُّرَرِ عَلَى الِافْتِرَاضِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَقُولُ: إنَّ مَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ لَا يُعَيِّنُ اشْتِرَاطَ الِافْتِرَاضِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَيْسَ نَذْرًا حَتَّى لَوْ تَلَفَّظَ بِصِيغَةِ النَّذْرِ فِي الذَّبْحِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ قَالَ إنْ بَرِئْتُ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْتُ شَاةً فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ بَرِئْتُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِنَذْرِ الذَّبْحِ لَزِمَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ حَقِيقَتُهُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الدُّرَرِ الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ فَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بِأَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي كَلَامِهِ اللَّازِمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي الْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ أُضْحِيَّةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَمْرِ بِهِمَا، خَانِيَّةٌ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ: قُلْت: وَمُفَادُهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ، أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا نَوَى الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْبَدَائِعِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٍ لِلنَّذْرِ وَشَاةٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>