للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْيَمِينِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَلِذَا اُعْتُرِضَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ اهـ.

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَفَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا، أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصْدِيقِ، أَوْ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَقَدَّمْنَا تَفَارِيعَ النَّذْرِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِ الصَّوْمِ، وَأَنَّ شَرَائِطَهُ أَرْبَعَةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَخَرَجَ النَّذْرُ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرُهَا وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ فَفَعَلَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمِائَةُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ شَرْطٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا الْتَزَمَهُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ بِهِ مَعْصِيَةٌ لَكِنْ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ مِسْكِينٍ يَلْزَمُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَحَنِثَ وَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ: وَهُوَ مَرِيضٌ إنْ بَرِئْتَ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً، أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لَزِمَهُ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ.

ــ

[منحة الخالق]

وَالْمُفْتَى بِهِ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رُجُوعِهِ وَكَذَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ جَعَلَهُ مَتْنًا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِتُحْفَةِ التَّحْرِيرِ وَبَيَّنَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ هُوَ التَّخْيِيرُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَلِلشَّرْطِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ اخْتَارَ تَخْصِيصَهُ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ خَاصٌّ بِالثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ إلَخْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ حَاكِي الرُّجُوعِ شُمُولَ الْمَنْذُورِ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ يُتَخَيَّرُ. بَيَّنَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ حُكْمُ النَّوْعِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَحَدٌ شُمُولَ الرُّجُوعِ فَيَجْرِيَ التَّخْيِيرُ عُمُومًا فِي كُلِّ مَنْذُورٍ اهـ.

وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْمُعَلَّقِ (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ لَا الْمَنْذُورُ نَفْسُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرِ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ وَقْفُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَوْ بِتَوَقُّفِ الْحَالِ إلَى مِلْكِهَا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ.

(قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَقُولُ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ عَلَيَّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا لَا يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا إذَا قَالَ: أَنَا أَحُجُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إنْ سَلِمَ وَلَدِي أَصُومُ مَا عِشْتُ فَهَذَا وَعْدٌ اهـ.

فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَعْدٌ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>