للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ بَاطِلٌ. اهـ.

وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ فِعْلُ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا قَالَ إنْ خَرَجْتَ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ إلَى غَيْرِهِ تَخْصِيصًا لِنَفْسِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَان خَاصٍّ كَبَغْدَادَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ غَيْرُ مَذْكُورٍ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَصِحُّ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ، وَهِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى مُطْلَقَةٍ، وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دُيِّنَ) أَيْ قُبِلَ مِنْهُ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَنْوِي امْرَأَةً بِعَيْنِهَا قَالَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا أَشْتَرِي جَارِيَةً وَنَوَى مُتَوَلِّدَةً فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ فَأَشْبَهَ الْكُوفِيَّةَ وَالْبَصْرِيَّةَ. اهـ.

قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَوْنِهِ نَوَى الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْكُلَّ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا، وَعَنَى جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ أَوْ جَمِيعَ مِيَاهِ الْعَالَمِ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الطَّعَامَ أَوْ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَيَمِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ، وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءً أَوْ الْمَاءَ أَوْ لَا آكُلُ طَعَامًا أَوْ الطَّعَامَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَهُوَ الْكُلُّ لَوْلَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ أَيْضًا، وَإِنْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَحْنَثُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَكِنَّهُ عَدَدٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْفَرْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَشُرْبُ كُلِّ الْمِيَاهِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَالُوا: وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى يَرْفَعَ الْحَالِفَ إلَى الْقَاضِي، وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا اُسْتُحْلِفَ الرَّجُلُ بِاَللَّهِ، وَهُوَ مَظْلُومٌ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ مَنْ اسْتَحْلَفَهُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ يُفِيدُ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ بَلْ مِنْ تَخْصِيصِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ جِنْسٌ ذُو أَنْوَاعٍ فَالنِّيَّةُ فِيهِ نِيَّةُ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ لِلْجِنْسِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى. (قَوْلُهُ: وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فَالْبَيْتُ وَاحِدٌ يَصِحُّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ بِزِيَادَةِ لَا، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَيْثُ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْخَارِجِيَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ إلَّا نَوْعًا وَاحِدًا لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشِّرَاءِ فَكَمَا أَنَّ اتِّحَادَ الْغُسْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا إمْرَارُ الْمَاءِ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لَيْسَ إلَّا قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ فِي الزَّمَانِ فَلَا يَصِيرُ مُنْقَسِمًا إلَى نَوْعَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ شَرْعًا فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْنَا اعْتِبَارَ الشَّرْعِ إيَّاهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُرُوجِ الْمُخْتَلِفِ الْأَحْكَامِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُمَا فَيُحْكَمُ بِتَعَدُّدِ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ وَالسُّكْنَى لَيْسَ فِيهِمَا اخْتِلَافُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى، وَكُلٌّ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قَرَارٌ فِي الْمَكَانِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إنْ لَبِسْتُ ثَوْبًا جَمِيعَ ثِيَابِ الدُّنْيَا لَا يَحْنَثُ أَصْلًا بِلُبْثِ ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا بَعْدَ التَّفْصِيلِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ صِحَّةَ نِيَّتِهِ قَوْلَ الْخَصَّافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي الدِّيَانَةِ لَا الْقَضَاءِ فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ لَا يَشْمَلُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>