وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ الْخَصَّافِ تَصِحُّ حَتَّى إنَّ مَنْ حَلَفَ، وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ مِنْ بَلْدَةِ كَذَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ وَوَقْتَ مَا حَلَّفَهُ الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ لَكِنَّ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ مَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهَا الْبَابُ الْخَامِسُ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلِّصٌ لِمَنْ حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَمَتَى وَقَعَ فِي يَدِ الظَّلَمَةِ، وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مَاءِ دِجْلَةَ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ، وَهُوَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ نَهْرًا أَوْ إنَاءً كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَا يَحْنَثُ لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَهُوَ الشَّرْطُ، وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فَيَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ الْمَفْهُومُ، وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمَنَعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا، وَالتَّقْيِيدُ بِدِجْلَةَ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ وَالنِّيلَ كَذَلِكَ بَلْ، وَكُلُّ نَهْرٍ، وَقَيَّدَ بِالنَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي دِجْلَةَ لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا، وَهِيَ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا الْجُبِّ فَحُوِّلَ إلَى جُبٍّ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَهَذَا، وَقَوْلُهُ لَا أَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشُّرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي ذَلِكَ النَّهْرُ إلَى دِجْلَةَ فَأَخَذَ مِنْ دِجْلَةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِزَوَالِ الْإِضَافَةِ إلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ بِحُصُولِهِ فِي دِجْلَةَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَمَدَّتْ الدِّجْلَةُ مِنْ الْمَطَرِ فَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي الدِّجْلَةِ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءِ وَادٍ سَالَ مِنْ الْمَطَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَاءَ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ مُسْتَنْقَعٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُضِفْ إلَى نَهْرٍ بَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ كَمَا كَانَتْ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَكْرَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ غَيْرَ أَنَّا ذَكَرْنَاهَا لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَيَتَنَاوَلَ الْمَاءَ بِفَمِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ، وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ، وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ كَرْعًا حَتَّى لَوْ صَبَّ عَلَى كَفِّهِ وَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ مَاءَ الْفُرَاتِ قِيلَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ
ــ
[منحة الخالق]
بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا النِّيَّةُ دِيَانَةً إلَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ صَحَّتْ دِيَانَةً مُطْلَقًا تَأَمَّلْ.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقْتِطَاعُ حَقِّ الْمُسْلِمِ بِوَسِيلَةِ اسْمِهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ هُنَا رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا يُرِيدُ الْمُسْتَحْلِفُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ظَالِمًا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا كَانَتْ النِّيَّةُ فِيهِ إلَى الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا يُرِيدُ بِيَمِينِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ مَا نُقِلَ عَنْهَا مَعَ مَا سَبَقَ فِي شَرْحِ الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذَا. اهـ.
قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا تَصِحُّ أَيْ فِي الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقْرَأَ أُخِذَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ، وَأَخَذَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَيَقْضِي بِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْحَالِفِ بِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْحَالِفِ غَيْرُ خَاصٍّ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَى قَوْلِهِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ فِي الْأُولَى فَقَطْ. اهـ.
قُلْتُ: وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَشْرَبُ مَاءً