؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَاءِ فَكَانَ الْمَاءُ مُضْمَرًا فِيهِ، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَعْمِيمَ الْمُقْتَضَى فَإِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضَى ذِكْرِ الشُّرْبِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَتَكُونُ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ بَاطِلَةً.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ فُرَاتٍ أَوْ مَاءً فُرَاتًا فَشَرِبَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ مِنْ مَاءِ عَذْبٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفُرَاتَ صِفَةً لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ قَالَ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: ٢٧] أَيْ مَاءً عَذْبًا بِخِلَافِ مَاءِ الْفُرَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الْفُرَاتِ فَقَدْ أَرَادَ بِالْفُرَاتِ نَهَرَ الْفُرَاتِ. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى: وَلِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُتَعَارَفَةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَعِنْدَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَكِنْ بِمَجَازٍ يَعُمُّ أَفْرَادَهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا مَرَّتْ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ أَكْلِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. بِلَفْظِهِ.
فَقَدْ صَحَّحَ قَوْلَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي الْأُصُولِ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ لَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشُّرْبَ أَنْ يُوصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشِمُ مِثْلُ الْمَاءِ وَالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ شَرِبَهُ يَحْنَثُ، وَأَكْلُ اللَّبَنِ أَنْ يُثْرَدَ فِيهِ الْخُبْزُ وَيُؤْكَلُ وَشُرْبُهُ أَنْ يُشْرَبَ كَمَا هُوَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْعَسَلَ فَأَكَلَهُ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً وَشَرِبَهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَعَ فُلَانٍ فَإِنْ شَرِبَ شَرَابًا، وَفُلَانٌ شَرِبَ شَرَابًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَيُّ شَرَابٍ شَرِبَهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ يَحْنَثُ إذْ الشُّرْبُ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ، وَفِي حِيَلِ الْمَبْسُوطِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فَإِذًا فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَصَبَّ الْمَاءَ فِي اللَّبَنِ فَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَجْنَاسِهَا أَنَّ الْحَالِفَ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَائِعٍ فَاخْتَلَطَ ذَلِكَ الْمَائِعُ بِمَائِعٍ آخَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِغَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً الْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ فَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَلَبَةَ فَقَالَ إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ لَوْنُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ هَذَا إذَا اخْتَلَطَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ.
أَمَّا إذَا اخْتَلَطَ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ كَاللَّبَنِ يَخْتَلِطُ بِلَبَنٍ آخَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ يَعْنِي يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ غَيْرَ أَنَّ الْغَلَبَةَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا هُنَا فَيُعْتَبَرُ بِالْقَدْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هَاهُنَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَسْتَهْلِكُ الْجِنْسَ قَالُوا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَمْتَزِجُ وَيَخْتَلِطُ أَمَّا مَا لَا يَمْتَزِجُ، وَلَا يَخْتَلِطُ كَالدُّهْنِ، وَكَانَ الْحَلِفُ عَلَى الدُّهْنِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ) : (إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا، وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصَبَّ أَوْ أَطْلَقَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَث، وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ) بَيَانٌ لِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَهُوَ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا مِنْ شَرْطِ بَقَائِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِانْعِقَادِ مُوجِبًا لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِتَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَبِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ الْغَمُوسُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا صَوَّرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ بِيَمِينِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ
ــ
[منحة الخالق]
مِنْ دِجْلَةَ بِدُخُولِ مِنْ عَلَى دِجْلَةَ لَا عَلَى مَاءٍ، وَهَذِهِ ظَاهِرَةٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ مَتْنًا.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنْ التَّصَوُّرِ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا، وَلَا بَقَاءَهَا كَمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا فَتَأَمَّلْ، وَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ. اهـ.
أَقُولُ: الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا، وَلِذَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فِيهِ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِالْعَجْزِ عَنْهُ عَادَةً كَمَا يَأْتِي أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ أَصْلًا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصَوُّرِ شُرْبِهِ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً، وَلَا عَادَةً، وَإِذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ الصَّبِّ لِعُرُوضِ الْعَجْزِ حَقِيقَةً، وَعَادَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّصَوُّرِ هُنَا عَدَمُ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً، وَعَادَةً.
(قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ إلَخْ) تَوْضِيحُهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ غَيْرُ مَعْقُودَةٍ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ، وَلَا مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ، وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ