للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٍ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَ مُتَّصِلًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا أَوْ غَدًا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا. اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ إذَا ابْتَدَأْتُكَ بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ ابْتَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ، وَقَالَتْ لَهُ هِيَ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا، وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ابْتِدَائِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً.

أَمَّا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ صُدِّقَ قَضَاءً عِنْدَنَا، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إمَامًا قِيلَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَاقِعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ حَنِثَ، وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ الْحَالِفُ بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ فَقَالَ: وَقَدْ مَرَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَا حَائِطُ اسْمَعْ افْعَلْ كَيْتَ، وَكَيْتَ فَسَمِعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَفَهِمَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ يَا حَائِطُ اصْنَعْ كَذَا كَذَا وَيَا حَائِطُ كَانَ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شَكَوْتِ مِنِّي إلَى أَخِيكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَجَاءَ أَخُوهَا، وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّ زَوْجِي فَعَلَ بِي كَذَا، وَكَذَا وَخَاطَبَتْ الصَّبِيَّ بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَ أَخُوهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا مَا شَكَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَاطِبْهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَكَوْت بَيْنَ يَدَيْ أَخِيكِ قَالَ فِي الْكِتَابِ هَذَا أَشَدُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ فِي الْعُرْفِ بِالشِّكَايَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ الشِّكَايَةُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَنَاوَلَ امْرَأَتَهُ شَيْئًا فَقَالَ هَا حَنِثَ، وَلَوْ جَاءَهُ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَبَيَّنَ صِفَةَ الْإِسْلَامِ مُسْمِعًا لَهُ، وَلَا يُوَجِّهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَبَّحَ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِلسَّهْوِ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ، وَهُوَ مُقْتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ وَخَارِجُ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: ٥١] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ فَلَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ، وَلَا بِالْكِتَابَةِ، وَالْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ وَالْبِشَارَةُ تَكُون بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ، وَالْإِظْهَارُ وَالْإِفْشَاءُ وَالْإِعْلَامُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ كَوْنَهُ

ــ

[منحة الخالق]

عِنْدَهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فِي الْمُوَقَّتَةِ أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي) مَعْطُوفٌ عَلَى اذْهَبِي مَدْخُولُ الْفَاءِ فَتَكُونُ الْفَاءُ دَاخِلَةً عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْحَالِفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَاذْهَبِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ فِيهِ وَرَاجِعْ نُسْخَةً صَحِيحَةً فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَزَّازِيَّةِ صَرَّحَ فِيهَا بِالْحِنْثِ فِيهِ أَقُولُ: الَّذِي فِي النُّسَخِ هَكَذَا بِلَفْظِ لَا تَطْلُقُ، وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاذْهَبِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُنْتَقَى إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَاذْهَبِي طَلَاقًا طَلُقَتْ بِهِ وَاحِدَةً وَبِالْيَمِينِ أُخْرَى. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ لَا يَحْنَثُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. اهـ.

أَقُولُ: الَّذِي فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ تُنَافِي الْقِرَانَ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ ابْتَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ كَلَّمْتُكِ قَبْلَ تُكَلِّمِينِي فَتَكَالَمَا أَوْ تَزَوَّجَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ أَبَدًا لِاسْتِحَالَةِ السَّبْقِ مَعَ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إمَامًا قِيلَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَاقِعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الشَّافِي أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ، وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ إمَامًا يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ فَعَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سَلَامَ الْإِمَامِ يُخْرِجُ الْمُقْتَدِيَ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (قَوْلُهُ: لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ) عَطْفُ الْإِيمَاءِ عَلَى الْإِشَارَةِ عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ مُغَايِرٍ بِأَنْ يُرَادَ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ) الْإِفْشَاءُ بِالْفَاءِ مِنْ أَفْشَى السِّرَّ وَذِكْرُهُ الْإِخْبَارَ مَعَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>