إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا يَحْنَثُ، وَقَيَّدَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ احْتِرَازًا عَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَالِحُ رَجُلًا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَصَالَحَهُ حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ. اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي الصُّلْحُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعَدَاوَةِ وَالْغَيْظِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدٌ بِرَفْعِ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ الصُّلْحُ الْفِقْهِيُّ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ فُلَانٍ فَأَسْلَمَ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مُؤَجَّلًا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدَ فُلَانٍ فَآجَرَ بِهِ دَارِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَى طَعَامًا لِبَيْتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَبَاعَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَا اشْتَرَى لِلْبَيْعِ، وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَى بَيْتِ وَالِدَتِهَا فَخَرَجَتْ لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ زَارَتْ وَالِدَتَهَا لَا يَحْنَثُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا جَدِيدًا فَتَفْسِيرُ الْجَدِيدِ مَا لَا يَنْكَسِرُ حَتَّى يَصِيرَ شَبَهَ الْخَلِقِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَدِيدًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ لَا لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا مَبْقَلَةٌ قَدْ نَبَتَتْ وَشَرَطَ ذَلِكَ مَعَهَا حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا وَاشْتَرَى نَخْلًا بِهَا رُطَبٌ وَشَرَطَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا شَرَطَهُ حَتَّى دَخَلَ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ دَارِهِ فَأَعْطَاهَا امْرَأَتَهُ فِي صَدَاقِهَا حَنِثَ كَذَا ذَكَرَ هُنَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّارِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ ثُمَّ أَعْطَاهَا عِوَضًا عَنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ مَصُوغٍ حِلْيَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِهِ، وَإِبَرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا وَبَائِعُ الْإِبَرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَسْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِادِّهَانِ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ لَا يَشُمُّهُ فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرِقِ، وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرِقِ دُونَ الدُّهْنِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَذْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اشْتَرَيْت شَيْئًا فَأَنْت طَالِقٌ فَاشْتَرَتْ الْمَاءَ قَالُوا إنْ اشْتَرَتْهُ فِي قِرْبَةٍ أَوْ جَرَّةٍ طَلُقَتْ، وَإِنْ دَفَعَتْ الْجَرَّةَ إلَى السَّقَّاءِ وَخُبْزًا حَتَّى يَحْمِلَ لَهَا الْمَاءَ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَلَفَ الْبَائِعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَالَ الْبَيْعَ، وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ حَنِثَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ لِكَوْنِهِ إقَالَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا عُرِفَ. وَلَوْ حَلَفَ وَقَالَ وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَشْيَاءَ لَكِنْ بِالتَّعَاطِي فَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخُبْزَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ الْخُبْزِ وَدَفَعَ هُوَ إلَيْهِ الْخُبْزَ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي شَهَادَاتِ الْقُدُورِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَقَالَ لَا يَسَعُ لِمَنْ عَايَنَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُ عَلَى التَّعَاطِي وَإِلَى هَذَا مَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَمِيصًا فَاشْتَرَى قَمِيصًا مُقَطَّعًا غَيْرَ مِخْيَطٍ
ــ
[منحة الخالق]
رَأَيْنَاهَا وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لَا يَحْنَثُ، وَفِي الثَّانِي حَنِثَ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ مُصَلَّحًا فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا مِنْ غَيْرِهِ) هَكَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ، وَهِيَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا حُقُوقَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَاَلَّذِي لَهُ حُقُوقٌ تَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ (قَوْلُهُ: حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقْيِيدُهُ بِالْقَضَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الدِّيَانَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَحَمَلَ الثَّانِي فِي الْبَحْرِ عَلَى الصُّلْحِ اللُّغَوِيِّ أَيْ الدَّافِعِ لِلْعَدَاوَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْأَوَّلُ عَنْ إقْرَارٍ وَالثَّانِي عَنْ إنْكَارٍ. اهـ.
وَأَقُولُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ لَا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ بَعْدَ تَأَمُّلٌ. اهـ.
قُلْتُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَكَذَا فِي الْخُصُومَةِ حَلَفَ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ الْغَيْرَ بِصُلْحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute