للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَقَعُ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَمَلَكَا الْأَمْرَ بِهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَكَالْعَبْدِ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ضَرْبَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَعَمُّ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلَمْ يُخَصَّصْ بِالْكَبِيرِ فِي الرِّوَايَاتِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا يَضْرِبُهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى ضَرَبَهَا فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْعَبْدِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَقِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ. اهـ.

وَلَمْ يُرَجِّحْ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ تَعُودُ لَهَا، وَإِنْ حَصَلَتْ لِلزَّوْجِ ضِمْنًا، وَلَوْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فِي هَذَا النَّوْعِ قَالُوا فَمَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ كَالتَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَمَا كَانَ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ كَالضَّرْبِ وَالذَّبْحِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَهُ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَمَا كَانَ حِسِّيًّا فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالسَّبَبِ مَجَازٌ فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ فُلَانَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَأَلْت نَجْمَ الدِّينِ عَنْ الْفَرْقِ فَقَالَ التَّزْوِيجُ بِأَمْرِهِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُهُ وَالتَّزَوُّجُ بِأَمْرِهِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ لَهُ وَهُوَ الْحِلُّ كَذَا فِي الْفَيْضِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ بِنْتِهٍ الصَّغِيرَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُجِيزِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ، وَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ عَبْدٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ فَتَزَوَّجَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ لَفْظُ النِّكَاحِ مِنْهُ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِلدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أَوْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ ثُمَّ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ تَكُنْ وُلِدَتْ قَبْلَ الْيَمِينِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْوَكِيلَانِ وَيَعْقِدَانِ عَقْدَ النِّكَاحِ خَارِجَ الْكُوفَةِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً إلَّا عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَكَمَّلَ الْقَاضِي عَشَرَةً أَوْ زَادَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي مَهْرِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ وُلِدَتْ بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْلِدُ دُونَ الْمَنْشَأِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهَا، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِاسْمِك فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِهَذَا الِاسْمِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ عَائِدٌ إلَيْهِ بِطَاعَتِهَا لَهُ، وَقِيلَ إنْ حِنْث فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَنَظِيرُ الْوَلَدِ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ، وَلَوْ فَصَّلَ هَذَا فِي الْوَلَدِ لَكَانَ حَسَنًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ) هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَا ذُكِرَ هُنَا مُوَافِقٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَمَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ امْرَأَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانٌ امْرَأَةً، وَكَلَّمَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْحُجَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>