وَالْمُرَادُ بِالْبُكْرَةِ، وَقْتُ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا لَا يَخْفَى فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمُحِيطِ بِالْحِنْثِ فِيهِمَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْحِنْثَ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ، وَقِيلَ لَا بَلْ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ إنْ كَانَتْ أَطَالَتْ الصَّلَاةَ بِحَيْثُ لَوْلَا إطَالَتُهَا إيَّاهَا أَمْكَنَهَا أَدَاؤُهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا هَذِهِ الْإِطَالَةُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا إنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَعْتَمِدُ الصِّحَّةَ لَكِنَّهَا تَعْتَمِدُ الْإِمْكَانَ وَالتَّصَوُّرَ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ هَاهُنَا. اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَصُمْ شَهْرًا فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَنْصَرِفُ إلَى شَهْرٍ يَلِيه بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى شَهْرٍ فِي عُمُرِهِ بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُسَاكِنْك شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ شَهْرًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ، وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتْرُكَهُ شَهْرًا مِنْ حِينِ حَلَفَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفْيَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُعْرَفُ بِأَضْدَادِهَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ لَوْ قَالَ إنْ صُمْتُ شَهْرًا فَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِصَوْمِ شَهْرٍ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه فَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فِي شَهْرٍ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه فَذَكَرَ الْوَقْتَ فِيهِ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَاكَنَةِ وَالضَّرْبِ وَالْإِتْيَانِ وَنَحْوِهِ مَا ذُكِرَ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَقْدِيرِ الْيَمِينِ فَتَقَيَّدَتْ بِالشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه، وَإِنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت صَوْمَ شَهْرٍ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَصُمْ شَهْرًا أَوْ قَالَ إنْ صُمْتُ شَهْرًا انْصَرَفَ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُسَافِرَ، وَلَا يَصُومَ.
(قَوْلُهُ: وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ وَفِي صَلَاةٍ بِشَفْعٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ إذَا صَلَّى رَكْعَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِصَلَاةِ شَفْعٍ، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْأُولَى بِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَقَعُ عَلَى الْجَائِزَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْيَمِينُ فِي الْمَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدَةِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَيَكُونَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بَيَانًا لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً بِأَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَثَلًا لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا.
وَلَوْ نَوَى الْفَاسِدَةَ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَمَعَ هَذَا يَحْنَثُ بِالصَّحِيحَةِ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدَةِ بِهِيَ الَّتِي لَا يُوصَفُ مِنْهَا شَيْءٌ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ فِي وَقْتٍ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَأَوْرَدَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقَعْدَةَ، وَلَيْسَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَهَذَا أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَقُّفِ الْحِنْثِ عَلَى الرَّفْعِ مِنْهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَفَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ لِتَمَامِ حَقِيقَةِ السُّجُودِ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْقَعْدَةُ هِيَ الرُّكْنُ، وَالْأَرْكَانُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْخَمْسَةُ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَرْكَانَ الْأَصْلِيَّةَ ثَلَاثَةٌ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَرُكْنٌ زَائِدٌ، وَالتَّحْرِيمَةُ شَرْطٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَلَمْ يَقْرَأْ فَقَدْ قِيلَ لَا يَحْنَثُ وَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ مَانِعٌ لِصِحَّةِ الرَّكْعَةِ لَوْ فَعَلَتْ وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ بِصَوْمِهِ الْيَوْمَ لَمْ يَتْرُكْ الصَّوْمَ شَهْرًا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَهُوَ تَرْكُهُ الصَّوْمَ شَهْرًا.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدَةِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا بَلْ الْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يُعَارِضُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ) أَيْ عَلَى رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَقَوْلُهُ لِتَمَامِ إلَخْ عِلَّةٌ لِلْأَوْجَهِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute