فَالْوُضُوءُ مِنْ أَغْلَظِهِمَا، وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ مِنْهُمَا فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي تَأْسِيسِ النَّظَائِرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ الْغُسْلُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مِنْهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَبَسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ فَلَبَسَ فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ إنْ لَبَسْت ثَوْبًا مِنْ مَغْزُولِك، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِي حَتَّى تَغْزِلَهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ، وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ، وَلَمْ يُوجَدُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُطْنُ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ الْحَلِفِ فَغَزَلَتْهُ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ هَدْيٌ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَنَوَى الْغَزْلَ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْغَزْلِ قَبْلَ النَّسْجِ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَنَوَى شُرْبَ جَمِيعِ الْمِيَاهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَنْسُوجِ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ لُبْسُهُ عُرْفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يُصْنَعُ مِنْهُ مَجَازًا عُرْفًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَلْبُوسِ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا وَبَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ فَكَذَا هُنَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ خَيْطٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ فَالْبَعْضُ مِنْهُ يُسَمَّى غَزْلًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ، وَقُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا.
وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا فَلَبِسَ ثَوْبًا زِرُّهُ وَعُرَاهُ مِنْ غَزْلُهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الزِّرَّ وَالْعِرَاءَ قَبْلَ الشَّدِّ لَا يَصِيرُ مَلْبُوسًا بِلُبْسِ الْقَمِيصِ وَبَعْدَ الشَّدِّ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ صَارَ لَابِسًا؛ لِأَنَّ هَذَا يُسَمَّى شَدًّا وَلَا يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا، وَفِي اللَّبِنَةِ وَالَزِيقِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَابِسًا لَهُمَا عَرَفَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ، وَلَوْ لَبِسَ تِكَّةً مِنْ غَزْلِهَا لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا فِي التِّكَّةِ عُرْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ تِكَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ مَقْصُودًا سَوَاءٌ صَارَ لَابِسًا أَوْ لَمْ يَصِرْ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهَذَا الْمُحَرَّمُ بِالْيَمِينِ اللُّبْسُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَمْ يُكْرَهْ الزِّرُّ وَالْعُرَى مِنْ حَرِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا، وَلَا مُسْتَعْمِلًا وَكَذَا اللَّبِنَةُ وَالَزِيقُ لَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَصَارَ كَالْإِعْلَامِ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَالِفُ خِرْقَةً مِنْ غَزْلِهَا قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَوْرَتِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا رَقَعَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرًا حَنِثَ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَمَّا بَلَغَ الذَّيْلُ إلَى السُّرَّةِ، وَلَمْ يُدْخِلْ كُمَّيْهِ وَرِجْلَاهُ بَعْدُ تَحْتَ اللِّحَافِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ الرُّعَافِ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَالَ أَوَّلًا ثُمَّ رَعَفَ وَتَوَضَّأَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا إلَخْ) هَكَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَسَقَطَ لَفْظُ فُلَانَةَ أَوْ نَحْوِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ تِكَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَ لَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَيْمَانِ الْوَاقِعَاتِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ رَمْزٌ لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ تُكْرَهُ التِّكَّةُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا الْقَلَنْسُوَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَالْكِيسِ الَّذِي يُعَلَّقُ. اهـ.
وَفِي شَرْحِهِ لِلْقُدُورِيِّ لَا تُكْرَهُ التِّكَّةُ مِنْ الْحَرِيرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُكْرَهُ وَاخْتُلِفَ فِي عَصْبِهِ الْجِرَاحَةَ بِالْحَرِيرِ. اهـ.
إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِشْكَالِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا. اهـ