للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غِلْمَانُهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ عَمِلَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْجِ مَا يَفْعَلُهُ بِيَدِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ، وَإِلَّا يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ كِسَاءً مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا ثَوْبٌ مِنْ غَزْلِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الصُّوفِ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا خِيطَ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً أَوْ شَبَكَةً مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ يَحْنَثُ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَعْنَى مِنْ غَزْلِ الْهَدْيِ هُنَا مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِئُهُ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ، وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلْ كَإِهْدَاءِ دَارِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا. اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِمَكَّةَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ الْتَزَمَ التَّصَدُّقُ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَهُ الدِّرْهَمَ وَالْمَكَانِ وَالْفَقِيرِ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْتِزَامٍ بِصِيغَةِ الْهَدْيِ وَبَيْنَهُ بِصِيغَةِ النَّذْرِ.

قَوْلُهُ (لُبْسُ خَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ عِقْدِ لُؤْلُؤٍ لُبْسُ حُلِيٍّ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ حَنِثَ أَمَّا الذَّهَبُ فَلِأَنَّهُ حُلِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا عِقْدُ اللُّؤْلُؤِ فَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُرَصَّعَ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْمُرَصَّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَهُمَا أَنَّ اللُّؤْلُؤَ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: ١٢] ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلِهَذَا اخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ الْخَاتِمَ مِنْ الذَّهَبِ فَشَمِلَ مَا لَهُ فَصٌّ، وَمَا لَا فَصَّ لَهُ اتِّفَاقًا وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ (لَا خَاتِمَ فِضَّةٍ) أَيْ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ أُبِيحَ لِلرِّجَالِ مَعَ مَنْعِهِمْ مِنْ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ لِقَصْدِ التَّخَتُّمِ لَا لِقَصْدِ الزِّينَةِ فَلَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّينَةُ لَازِمَ وُجُودِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ أَوْ لَا، وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصُوغًا؛ لِأَنَّ مَا صِيغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ نَفْيُ كَوْنِهِ حُلِيًّا، وَإِنْ كَانَ زِينَةً. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ قَبْلَ الصِّيَاغَةِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَتْ فِي عُنُقِهَا تِبْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا. اهـ.

وَقَيَّدَ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْخَالَ وَالدُّمْلُجَ وَالسِّوَارَ حُلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى الْحُلِيِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعِقْدِ اللُّؤْلُؤِ إلَى أَنَّ عِقْدَ الزَّبَرْجَدِ أَوْ الزُّمُرُّدِ كَذَلِكَ فَأَبُو حَنِيفَةَ شَرَطَ التَّرْصِيعَ، وَهُمَا أَطْلَقَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمَعَ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سِلَاحًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ تُرْسًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ السِّلَاحَ، وَلَوْ لَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي سِلَاحًا فَاشْتَرَى سِكِّينًا أَوْ حَدِيدًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ السِّلَاحِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَشْتَرِي فَيَمِينُهُ عَلَى كُلِّ مَلْبُوسٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِسْحًا أَوْ بِسَاطًا أَوْ طَنْفَسَةً، وَلَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ وَالْمَسْحُ الْحِلْسُ، وَهُوَ الْبِسَاطُ الْمَنْسُوجُ مِنْ شَعْرِ الْمِعْزَى وَالطَّنْفَسَةُ الْبِسَاطُ الْمَحْشُوُّ، وَلَوْ اشْتَرَى فَرْوًا أَوْ لَبِسَ فَرْوًا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً أَوْ لَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا صَغِيرًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ حَنِثَ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَهِيَ مَقْلُوبَةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَا يَعْمَلُ بِيَدِهِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْأَعْمَالُ كُلُّهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَزَمَ الْحَدَّادِيُّ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ لَكِنَّهُ بِقَوْلِهِمَا أَلْيَقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>