(قَوْلُهُ زَنَيْت فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ بِأَمَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ وَيَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قَالَ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى ضَبْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا لُوطِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى اللِّوَاطَةُ صَرِيحًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يُحَدُّ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْحَدِّ حَتَّى لَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلُ أَنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِطَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَلَمَّا كَانَ الطَّلَبُ ثُمَّ الْحَدُّ لِدَفْعِ الْعَارِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ، وَالْحَشْوِ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ.
وَأَمَّا الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ فَيَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ كُلُّهَا إلَّا الْإِزَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَشْوِ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ كَالْمُضَرَّبِ بِالْقُطْنِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ مِنْ إيصَالِ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا.
(قَوْلُهُ: وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامَ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] فَقَذْفُ الْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتِبًا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عَلَى قَاذِفِهِ لَا الْحَدَّ وَخَرَجَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ
ــ
[منحة الخالق]
بِنِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى فِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ ذَكَرِهِ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ إلَى آخِرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ: هَذَا الرَّجُلُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أَخَذَ الْمَالَ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت بِدَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَنْ لَا يُحَدَّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ بِدَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى قَوْلِهِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ بِأَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ إلَّا فِي الْأَمَةِ خَاصَّةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) زَادَ فِي النَّهْرِ فِي قَذْفِ مَنْ لَا يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ الْخَصِيَّ وَالْمَمْلُوكَ لِلْقَاذِفِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْخُنْثَى الَّذِي بَلَغَ مُشْكِلًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَلِكَ إذَا قَذَفَ الرَّتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْتَفٍ وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عَذْرَاءَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُتَصَوَّرٌ. اهـ.
فَكَانَ الصَّوَابُ تَرْكَ الْخَصِيِّ وَكَذَا الْمَمْلُوكُ لِمَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الَّذِي سَيَأْتِي مَا إذَا قَذَفَ أُمَّ مَمْلُوكِهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَقَذْفُهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكَهُ أَوْ مُلُوكَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ أَيْضًا تَعْلِيلَهُ بِمَسْأَلَةِ الْخُنْثَى بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ الْبَاتِّ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ. اهـ.
قُلْت بَلْ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بَشَّيْنِ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ قُلْت وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِقَذْفِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ كُلٍّ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ وَيَأْتِيَهُ غَيْرُهُ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَذَفَ خُنْثَى بَلَغَ مُشْكِلًا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ لَمْ يُحَدَّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَ النَّهْرِ حَمْلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ الْخُنْثَى الْمَذْكُورَ وَدَخَلَ فَقَذَفَهُ آخَرُ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِكَوْنِ نِكَاحِهِ مَوْقُوفًا لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ) قَالَ فِي الشرنبلالية فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا