للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي إنَّمَا كُنْت أَوْدَعْته أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ قَالَ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ السَّارِقَ حَتَّى لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ أَسَرَقَ مَا إخَالُهُ سَرَقَ» وَلِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ وَقَوْلُهُ إخَالُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعْنَاهُ أَظُنُّهُ وَبِالْفَتْحِ كَذَلِكَ وَكِلَاهُمَا فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَهِيَ الظَّنُّ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ بِالْكَسْرِ وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَا يُقْطَعُ الْكَافِرُ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ ثَوْبًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهُ مَرْوِيٌّ بِسُكُونِ الرَّاءِ ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافٍ اعْتِبَارًا بِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرَ فِي نُسْخَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا. اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُؤَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ. اهـ.

زَادَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ إذْ سَرِقَةُ كُلِّ مَالٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ فَالسُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَأَنْ نَقَّبَ الْجِدَارَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِإِطْلَاقِهَا عَلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَالنَّقْصِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ وَعَلَى الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ السَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُخَاصِمُ، وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ السَّارِقِ أَوْ زَوْجًا فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَأَمَّا سُؤَالُ الْمُقِرِّ، فَإِنَّهُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ وَقْتَ الْقَطْعِ كَحُضُورِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَا قَطْعَ وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ شُرِطَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمِعَا، وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أَيْ لَوْ كَانَ السَّارِقُ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَخْذِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مَعْتُوهٌ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانُوا خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَقَيَّدَ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

ــ

[منحة الخالق]

وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يُسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ وَكَأَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُسْأَلُ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ لِلْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ الْأَخِيرِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَكَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الشُّهُودِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ) قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ وَأَخَاهُ تَبِعَا صَاحِبَ الْفَتْحِ قُلْت اسْتِثْنَاءُ الرَّجْمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَيُقَامُ حَدُّ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِاشْتِرَاطِ بُدَاءَةِ الشُّهُودِ بِهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي، وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرُوا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ.

فَهَذَا تَصْرِيحُ الْحَاكِمِ. اهـ. مُلَخَّصًا.

قُلْت وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَشْعَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي، وَإِنْ شَرَطَ بُدَاءَةَ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ حُضُورُهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ وَبُدَاءَتُهُمْ وَمَا هُنَا حُضُورُهُمْ إلَى تَمَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَمَّا فِي الْقَطْعِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْصِيلُ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا بَقِيَتْ الْمُنَافَاةُ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ، فَإِنَّ مَا هُنَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرْجَمُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْحَاكِمِ الْمَنْقُولَةِ آنِفًا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الرَّجْمِ مِنْ الْقَطْعِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلْإِمَامِ لَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الْكَافِي الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَأَخُوهُ سَقَطَا فَسَقَطَ مِنْهَا الْقَوْلُ الثَّانِي فَلِذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الثَّانِي الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>