للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ هُوَ رُكْنُهَا

(قَوْلُهُ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِهَا وَسَبَبِ ثُبُوتِهَا وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةً رَدٌّ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحُجَّتَيْنِ فَتُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ ظَهَرَتْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ، وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَمِنْ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ لَوْ قَالَ: أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ، وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ كُلِّهَا إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ. اهـ.

بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ التَّقَادُمِ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ وَشَرْطُ فِي الْبَيِّنَةِ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُتَقَادِمَةٍ قُطِعَ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدَّمْنَاهُ وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأُطْلِقَ فِي الْمُقِرِّ فَشَمِلَ الْحُرَّ، وَالْعَبْدَ وَسَيَأْتِي تَفَاصِيلُهَا فِي الْعَبْدِ وَقَيَّدَ بِالرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِحَصْرِ الْحُجَّةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِقْرَارَ بِالطَّوَاعِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ قَالَ مَا لَمْ يُقْطَعْ اللَّحْمُ وَلَا يَتَبَيَّنُ الْعَظْمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. اهـ.

وَفِي التَّجْنِيسِ لَا يُفْتَى بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ جَوْرٌ وَلَا يُفْتَى بِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هَلْ يَنْبَغِي لِلسَّارِقِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْمَتَاعِ أَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَهُ إنْ كَانَ لَا يَخَافُ أَنْ يَظْلِمَهُ مَتَى أَخْبَرَهُ يُخْبِرُهُ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ لَا يُخْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِ الْإِخْبَارِ وَلَكِنْ يُوصَلُ الْحَقَّ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبَابُ الرُّجُوعِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ رَفْعُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ) وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَعَ التَّنْوِينِ يُحْتَمَلُ الْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ مَعَ الْإِضَافَةِ أَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ أَيْضًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

هَذَا وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ قُلْت: وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ بِإِحْرَازِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ أَمَّا لَوْ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي فَوَجَبَ ضَمَانُهُمَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْمِائَةِ صَحَّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَدَّعِي الْمِائَتَيْنِ الْمُقَرَّ بِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدَّعِي الْمِائَةَ الَّتِي أَضْرَبَ عَنْهَا بِانْفِرَادِهَا فَقَطْ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ فَلَا يَنْتَفِي وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ: وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ صِحَّتُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَالْقَطْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَكَيْفَ يُقْطَعُ مَعَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ فِي حَقِّ تَضْمِينِهِ الْمَالَ فَقَطْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>