وَالثَّمَنُ أَنْفَعُ لِلْعَسْكَرِ مِنْ الْمَبِيعِ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَرَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَجَعَلَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ قَائِمًا يُجِيزُ بَيْعَهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيَرُدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَعْمَلَ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْجُنْدِ حَشَّ الْحَشِيشَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ اسْتَسْقَى الْمَاءَ وَيَبِيعُهُ مِنْ الْعَسْكَرِ أَوْ التُّجَّارِ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَكَانَ الثَّمَنُ طَيِّبًا لَهُ وَلَوْ أَخَذَ جُنْدِيٌّ خَشَبًا فَعَمِلَ مِنْهُ قِصَاعًا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ يُعْطِيه قِيمَةَ مَا زَادَ مِنْ الصَّنْعَةِ فِيهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَقَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْخَشَبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَعَلَى قِيمَتِهِ مَعْمُولًا فَمَا أَصَابَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا أَصَابَ الْمَعْمُولُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَلَا يَصِيرُ الْمَصْنُوعُ مِلْكًا لِلْعَامِلِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ لِغَيْرِهِ يُجْعَلُ الْمَصْنُوعُ مِلْكًا لِلصَّانِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِ الْخَشَبِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَالصَّنْعَةُ لَا تُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَخَاطَهَا فَرْوًا ثُمَّ دَبَغَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِ الْجِلْدِ عَنْ الْجِلْدِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ وَلَوْ أُخْرِجَتْ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ آخَرُ مِنْهَا خَشَبًا وَجَعَلَهُ قِصَاعًا أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَشَبِ وَكَانَ الْمَصْنُوعُ لِلَّذِي عَمِلَ لَا سَبِيلَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا) أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرَّثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُمْ (قَوْلُهُ وَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ) لِزَوَالِ حَاجَتِهِ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَأْكُلُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَكَذَلِكَ الْإِمْسَاكُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهَا بَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِسْمَةُ لِقِلَّتِهِ فَتَعَذَّرَ إيصَالُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَاللُّقَطَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ وَكُلَّ مَالٍ مَعَهُ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا وَعَقَارِهِ وَعَبْدِهِ الْمُقَاتِلِ) أَيْ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَكُلَّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ الْحَقِيقَةُ إلَيْهِ يَدَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ وَالْوَدِيعَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ صَارَتْ كَيَدِهِ وَخَرَجَ عَنْهُ عَقَارُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَكَانَ فَيْئًا وَقِيلَ إنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَكَذَا عَبْدُهُ الْمُقَاتِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِ وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُقَاتِلَةُ وَلَوْ كَانَتْ حُبْلَى فَهِيَ وَالْجَنِينُ فَيْءٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَمَّا وَلَدُهُ الْكَبِيرُ فَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ وَلَا تَبَعِيَّةَ وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَحَمْلُهَا جُزْءٌ فَيَرِقَّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمْلِيكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ قَيَّدَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ مَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا، وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضٍ شَرَهٌ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ وَقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ حَرْبِيٍّ فَهِيَ فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَقَيَّدْنَا كَوْنَ إسْلَامِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا أَخَذَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَالَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute