للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا لَا يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ الْبَيْعِ أَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُ وَلَا نَرْفَعُهُ أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْأُخْرَى وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.

وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَوَجْهُ الْأُخْرَى «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السِّلَاحَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ الْحَاجَةِ اتِّفَاقًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ وَأَطْلَقَ الطَّعَامَ فَشَمِلَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَقَيَّدَ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِمَا ذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ أَمَّا إذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ أَمَّا إذَا احْتَاجُوا إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا يُعْمَلُ نَهْيُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَنَاوُلُهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» كَذَا فِي الشَّرْحِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِأَحَدِهِمْ مَرَضٌ يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَلِبْسِ الثَّوْبِ فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ يَنْتَفِعُ عَائِدٌ إلَى الْغَانِمِينَ فَخَرَجَ التَّاجِرُ وَالدَّاخِلُ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزًا لِحِنْطَةٍ أَوْ طَبْخِ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ الْجُنْدِيُّ مَا يَكْفِيه وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ الَّذِي دَخَلُوا مَعَهُ قَالُوا وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا حِينَئِذٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قِسْمَةَ السِّلَاحِ وَلَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَاحِدٌ بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يَقْسِمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا أُصُولِهَا.

وَفِي الْمُحِيطِ وَجَدَ مُسْلِمٌ جَارِيَةً مَأْسُورَةً لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيْدِيهمْ وَقَدْ دَخَلَ بِأَمَانٍ كَرِهْت لَهُ غَصْبَهَا وَوَطْأَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يَمْلِكُونَهَا بِخِلَافِ الْقِنَّةِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْأَمَانِ ضَمِنَ أَنْ لَا يَسْرِقَ وَلَا يَغْصِبَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ نَقْضًا فَإِنْ وَطِئَ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا الْوَطْءَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَالْمَأْسُورُ فِيهِمْ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ أَمَتَهُ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَا يَقْتُلَهُمْ لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مُبَاحَةٌ فِي حَقِّنَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا نَبِيعُهَا) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ وَأَفَادَ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَوَّلُونَهَا كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَيْعَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ فَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَيْنٍ كَانَ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَيَأْكُلُ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ دَارَ الْحَرْبِ فَصَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ بَازِيًا أَوْ صَقْرًا أَوْ ظَبْيًا أَوْ صَادَ سَمَكَةً كَبِيرَةً مِنْ الْبَحْرِ أَوْ أَصَابَ عَسَلًا فِي جِبَالٍ لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَصَابَ جَوَاهِرَ مِنْ يَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَزُمُرُّدٍ مِنْ مَعْدِنٍ لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَصَابَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ حَدِيدٍ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ سِوَى الْحَشِيشِ وَالْمَاءِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بَاعَهُ مِنْ التُّجَّارِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْأَمِيرِ ثُمَّ الْإِمَامُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا

ــ

[منحة الخالق]

فَبِهَذَا تَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَقْفِ إمَامًا وَنَحْوَهُ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ.

(قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ) هَذَا فِي الْبَيْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ بَيْعَ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ عَائِدٌ إلَى الْغَانِمِينَ) لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ وَيَنْتَفِعُونَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إلَى الْغَانِمِ بِالْأَفْرَادِ أَوْ يَقْرَأُ يَنْتَفِعُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالظَّرْفُ بَعْدَهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْسُورُ فِيهِمْ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ أَمَتَهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ سَقْطًا أَوْ تَحْرِيفًا فَلْيُرَاجِعْ الْمُحِيطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>