التَّنْفِيلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِلَ إلَّا إذَا رَضِيَ الْعَسْكَرُ بِنَفْلِهِ فَيَجُوزُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ وَلَوْ نَفَلَ الْإِمَامُ السَّرِيَّةَ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْخُمُسِ ثُمَّ أَنَّ أَمِيرَهَا نَفَلَ لِفَتْحِ الْحِصْنِ أَوْ لِلْمُبَارَزَةِ بِغَيْرِ أَمْر الْإِمَامِ فَإِنْ نَفَلَ مِنْ حِصَّةِ السَّرِيَّةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ سِهَامِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا رَجَعَتْ السَّرِيَّةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ لَحَاقِ الْعَسْكَرِ فَإِنَّ نَفْلَ أَمِيرِهِمْ جَائِزٌ مِنْ جَمِيعِ مَا أَصَابُوا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْعَسْكَرِ مَعَهُمْ فَجَازَ نَفْلُ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَبَطَلَ نَفْلُ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ فَلَهُ مِنْهُ طَائِفَةٌ فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَتَاعٍ وَآخَرُ بِثِيَابٍ وَآخَرُ بِرُءُوسٍ فَالرَّأْيُ لِلْأَمِيرِ وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْهُ قَلِيلٌ أَوْ يَسِيرٌ أَوْ شَيْءٌ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَالْجُزْءُ النِّصْفُ وَمَا دُونَهُ وَسَهْمُ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ يُعْطِيه سَهْمَ الرَّاجِلِ وَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِأَلْفٍ فَلَهُ أَلْفَانِ فَجَاءَ بِأَلْفٍ لَا يُعْطَى إلَّا الْأَلْفَ وَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِالْأَسِيرِ فَلَهُ الْأَسِيرُ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ وَالْفَرْقُ وَتَمَامُ التَّفْرِيعَاتِ فِي الْمُحِيطِ.
وَالتَّنْفِيلُ إعْطَاءُ الْإِمَامِ الْفَارِسَ فَوْقَ سَهْمِهِ وَهُوَ مِنْ النَّفْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ وَمِنْهُ النَّافِلَةُ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرْضِ وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَيُقَالُ نَفَّلَهُ تَنْفِيلًا وَنَفَلَهُ بِالتَّخْفِيفِ نَفْلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ.
(قَوْلُهُ وَيَنْفِلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمْسِ فَقَطْ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ وَلَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمْسِ وَالْمُعْطَى مِنْ الْمَصَارِفِ لَهُ وَالتَّنْفِيلُ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصَّرْفِ إلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ فِي الْغَنِيِّ وَيَجْعَلَهُ نَفْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا الْأَغْنِيَاءِ فَجَعَلَهُ لِلْأَغْنِيَاءِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ اهـ.
لَكِنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّهُ تَنْفِيلٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لِلْغَنِيِّ وَمِنْ الْعَجِيبِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفِلْ) أَيْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْقَاتِلُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَيَحْتَمِلُ نَصْبُ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلُ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا رَوَيْنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) أَيْ السَّلَبُ مَا ذُكِرَ لِلْعُرْفِ وَفِي الْمُغْرِبِ السَّلَبُ الْمَسْلُوبُ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالْأَزْهَرِيِّ كُلُّ مَا عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ اللِّبَاسِ فَهُوَ سَلَبٌ وَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ كَلَامٌ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ السَّلَبُ بِالتَّحْرِيكِ مَا يُسْلَبُ وَجَمْعُهُ أَسْلَابٌ وَدَخَلَ فِي مَرْكَبِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سَرْجٍ وَآلَةٍ وَمَا مَعَ الْمَقْتُولِ شَامِلٌ لِمَا كَانَ فِي وَسَطِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعَ غُلَامِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي خَيْمَتِهِ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ السَّلَبُ عِنْدَ الْمُشْرِكِ عَارِيَّةً مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِمُ مَالَهُمَا كَمَالِ الْبَالِغِ وَمَا إذَا كَانَ السَّلَبُ مِلْكًا لِمُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَغَصَبَهُ الْمُشْرِكُ
ــ
[منحة الخالق]
أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ جَازَ وَيَبْقَى حُكْمُ هَذَا التَّنْفِيلِ إلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ رَأَى مُسْلِمٌ مُشْرِكًا نَائِمًا أَوْ غَافِلًا فِي عَمَلٍ فَقَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى ذِكْرِ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْقَضِيَ وَلَوْ بَقِيَ أَيَّامًا.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُنْفَلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ إلَخْ) فِي الْمَنْبَعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّنْفِيلَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَإِحْرَازُ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا جَائِزٌ وَيَوْمَ الْهَزِيمَةِ وَيَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذَا انْهَزَمَ الْعَدُوُّ وَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَاعَدُونَ عَنْ الْقِتَالِ حِينَئِذٍ بَلْ يُبَالِغُونَ بِلَا تَحْرِيضٍ فَيَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ وَالْفُقَرَاءُ بِلَا نَفْعٍ وَلِذَا لَا يَنْبَغِي قَبْلَ الْهَزِيمَةِ وَالْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَائِهِمَا بَلْ يُقَيَّدُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ بَقِيَ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَامَّةَ الْقَتْلَى وَالْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَدْ سُلِّمُوا لِمَنْ أَخَذَهُمْ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ فِي الْمُحْتَاجِينَ وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَازِ أَنْ تَقَعَ الْغَنِيمَةُ فِي أَيْدِي الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ اهـ.
مُلَخَّصًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ لَكِنَّ الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ تَفْسِيرُ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَام وَمُفَادُهُ جَوَازُ التَّنْفِيلِ قَبْلَ الْخُمُسِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَالْهَزِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ وَلِمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا نَفْلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَمَا قُلْنَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ لِلتَّحْرِيضِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا بَعْدَهَا وَلِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الِاخْتِصَاصِ ابْتِدَاءً لَا لِإِبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْغَانِمَيْنِ وَفِي التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ إبْطَالُ الْحَقِّ ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا وَرَدَ مِنْ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْخُمُسِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بَلْ ظَاهِرٌ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ اهـ.
وَأَمَّا تَعْبِيرُهُ بِلَا يَنْبَغِي فَلَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى إلَى