وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةُ وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَشَارَ بِتَقْيِيدِ الْوَثَنِيِّ بِالْعَجَمِيِّ دُونَ الْأَوَّلِينَ إلَى أَنَّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَالْكِتَابِيُّ شَامِلٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَيَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةِ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْفِرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَجُوس عَبَدَةُ النَّارِ وَالْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا وَتَعْبُدُهَا وَالْعَجَمُ جَمْعُ الْعَجَمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ أَيْ عَدَمُ إفْصَاحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ فِيهِ وَلَا صُورَةَ تُعْبَدُ.
(قَوْلُهُ لَا عَرَبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ وَمُكَاتَبٌ وَزَمِنٌ وَأَعْمَى وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٌ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ فِي عِبَارَتِهِ عَرَبِيُّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَخَرَجَ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَتَوَالَدُوا فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ أَعْجَمِيًّا فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنَّ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ قُتِلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ.
وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الْمَمْلُوكِ فَلِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَشَمِلَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ فَلَوْ أَدُّوا عَنْهُمْ لَكَانَ وُجُوبُهَا مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا عَدَمُهَا عَلَى الْعَاجِزِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ كَمَا ذَكَرْنَا
ــ
[منحة الخالق]
الْمُحِيطِ يَسْقُطُ الْبَاقِي فِي جِزْيَةِ السَّنَةِ إذَا صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَرِيضًا نِصْفٌ أَوْ أَكْثَرُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا قَالُوا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْعَرَبِيِّ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا (قَوْلُهُ فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ كَانَ عَرَبِيَّ الْأَصْلِ وَقَدْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ كَوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ مَا مَرَّ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَتَدَبَّرْهُ وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخَذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ يَشْمَلُ الْعَرَبِيَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا.
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ كِتَابِيًّا عَدَمَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَيْثُ أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى عَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَهَؤُلَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ أَمَّا مَنْ صَارَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: ٢٩] فَلَمْ يَشْمَلْهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ لِمُعَارَضَتِهِ لِلنَّصِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا نَصُّهُ وَفِي الْعِنَايَةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِي الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيِّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ وَلَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ» الْحَدِيثُ اهـ.
وَتَمَامُهُ لَكَانَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute