للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَخَلَ الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الرَّاهِبِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالْجِزْيَةُ لِإِسْقَاطِهِ وَفِي الْبِنَايَةِ الزَّمِنُ مِنْ زَمِنَ الرَّجُلُ يَزْمَنُ زَمَانَةً وَهُوَ عَدَمُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعْطِيلُ قُوَاهُ اهـ.

وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فَلِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا طَاقَةَ لَهَا فَإِنَّ الْخَرَاجَ سَاقِطٌ عَنْهَا وَغَيْرُ الْمُعْتَمِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَإِنْ مَرِضَ نِصْفَهَا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وُضِعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.

(قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ وَالتَّكَرُّرِ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسْقِطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَكَذَا تَسْقُطُ إذَا عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَالْعُقُوبَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ فَلِذَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ سَقَطَتْ جِزْيَةُ السَّنَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ بِآخِرِهِ لِسَلَامَةِ الِانْتِفَاعِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَيَمْضِي شَهْرَانِ مِنْهَا قَيَّدَ بِالْجِزْيَةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْأُجْرَةَ وَالْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ وَمَوْتِهِ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي الْخَرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ بِالتَّدَاخُلِ فَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْعُشْرِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عُقُوبَةٌ بِخِلَافِ الْعُشْرِ.

(فُرُوعٌ) فِي الْجِزْيَةِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدًا وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ أُعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ اهـ.

أَوْ يَقُولُ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ لَهُ يَا كَافِرُ وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إنْ آذَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُصْفَعُ فِي عُنُقِهِ حِينَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا) أَيْ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا إخْصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهُمَا وَفِي الْبِنَايَةِ يُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي دِيَارِ مِصْرَ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْبِيعَةِ بَلْ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَفْظُ الدَّيْرِ لِلنَّصَارَى خَاصَّةً وَالْبِيَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَطْلَقَ عُمُومَ دَارِ الْإِسْلَامِ فَشَمِلَ الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» اهـ.

وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا وَفِي الْبِنَايَةِ قَبْلَ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً أَحَدُهَا مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ

ــ

[منحة الخالق]

الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هُوَ وَإِنْ شَمِلَ الْكِتَابِيَّ فَقَدْ خُصَّ بِالْكِتَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>