للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَقِيرِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لِلصَّدَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْمُعْطِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَخُصَّ السَّيِّدُ أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ أَهْلًا لِهَذِهِ الصَّدَقَةِ أَصْلًا لِشَرَفِهِ وَلِذَا لَا يُعْطَى لَوْ كَانَ عَامِلًا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ فَالْحَقُّ مَوْلَاهُ بِهِ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ أَنْ لَا تُنْسَبَ إلَيْهِ الْأَوْسَاخُ بِنِسْبَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ عَدَمُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَهُ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيَّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يَطْمَعُ فِي إيمَانِهِ لَوْ رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ طَمِعَ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّ الذَّرَارِيَّ يُعْطَوْنَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ كَمَا يُعْطَوْنَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَشَايِخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَيَاةِ آبَائِهِمْ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ حَالَةَ الصِّغَرِ. وَالثُّغُورُ جَمْعُ ثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِحَافَةِ الْبُلْدَانِ وَالْقَنْطَرَةُ مَا لَا يُرْفَعُ وَالْجِسْرُ مَا يُرْفَعُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُمْ يَعُودُ إلَى الْكُفَّارِ فَيَشْمَلُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ وَأَفَادَ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ أَيْضًا هَذَا النَّوْعُ لِنَحْوِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْعُدَّةِ لِلْعَدُوِّ وَحَفْرِ أَنْهَارِ الْعَامَّةِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَدْ أَفَادَ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يُصْرَفُ إلَى أَرْزَاقِ الْوُلَاةِ وَأَعْوَانِهِمْ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُحْتَسِبِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَكُلِّ مَنْ تَقَلَّدَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ اهـ.

وَفِي التَّجْنِيسِ ذَكَرَ مِنْ الْمَصَارِفِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا يَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ هُنَا لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لِيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْخَطَرِ وَالْإِبَاحَةِ سُئِلَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا أَوْ قَاضِيًا وَلَيْسَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ إلَّا فَقِيهٌ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ الْفِقْهَ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ.

فَيُحْمَلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ بِأَنْ صَرَفَ غَالِبَ أَوْقَاتِهِ فِي الْعِلْمِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّازِيّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ الْقَاضِي بَلْ أَشَارَ بِهِمَا إلَى كُلِّ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ الْجُنْدِيُّ وَالْمُفْتِي فَيَسْتَحِقَّانِ الْكِفَايَةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَيَبْدَأُ مِنْ الْخَرَاجِ بِأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَرِكَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْخَرَاجِ اهـ.

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَذَرَارِيِّهِمْ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِالْمُقَاتِلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا يَكْفِيهِمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقَلَ الشَّيْخُ عِيسَى الصَّفَنِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَفُرِضَ لَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفْرَضُ لِذَرَارِيِّ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَسْقُطُ مَا فُرِضَ لِذَرَارِيِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ اهـ.

قُلْت وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَلَعَلَّهُ الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَجَعَلَ الْمَقْدِسِيَّ إعْطَاءَهُمْ بِالْأَوْلَى قَالَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ سِيَّمَا إذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي سَلُّوك طَرِيقِ آبَائِهِمْ.

(قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ) صَوَابُهُ الْعَيْنِيُّ فَإِنَّ عِبَارَةَ مِسْكِينٍ نَصُّهَا أَيْ ذَرَارِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>