الرَّفْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مَنْدُوبُ الْأَخْذِ وَمُبَاحُهُ وَحَرَامُهُ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ لَوْ تَرَكَهَا لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ لِمَالِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ وَجَبَ أَخْذُهَا وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ الْخَوْفِ تَضْيِيعٌ وَالتَّضْيِيعُ حَرَامٌ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا بَلْ امْتِنَاعٌ عَنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْتَزَمٍ وَهُوَ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ كَالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا حَالَةُ الْإِبَاحَةِ فَأَنْ لَا يَخَافَ الضَّيَاعَ وَأَمَّا حَالَةُ الْحُرْمَةِ فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا فَتَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ اهـ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ مَذْهَبُنَا وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَخْذَ مَنْدُوبٌ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ التَّعْرِيفَ وَالرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِنْ خَافَ الضَّيَاعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ لِمَالِهِ حُرْمَةً كَمَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَمَا خَافَ الضَّيَاعَ وَلَمْ يَلْتَقِطْهَا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِافْتِرَاضِ رَفْعِهَا الضَّمَانُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْ وَضَاعَتْ لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ لَوْ انْفَتَحَ زِقٌّ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَرِئَ وَلَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ ضَمِنَ لَوْ مَالِكُهُ غَائِبًا لَا لَوْ حَاضِرًا وَكَذَا لَوْ رَأَى مَا وَقَعَ مِنْ كَمْ رَجُلٍ اهـ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ فَائِدَةَ الِافْتِرَاضِ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ لَا الضَّمَانُ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ مَنَعَ الْمَالِكَ عَنْ أَمْوَالِهِ حَتَّى هَلَكَتْ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ وَأَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلَمْ أَرَ مَنْ بَيَّنَ شَرَائِطَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمُجْتَبَى التَّعْرِيفُ إلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْوَارِثِ اهـ.
فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا صَحِيحَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ وَدِيعَةَ عَبْدِهِ مَأْذُونًا أَمْ لَا مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيُظْهِرْ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ وَدِيعَةَ الْغَيْرِ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ تُدْفَعُ إلَيْهِ اهـ.
لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَقَالَ الْمَوْلَى هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْعَبْدُ الْتَقَطْته فَإِنْ مَحْجُورًا فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ مَأْذُونًا فَلِلْعَبْدِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللُّقَطَةِ إذَا تَنَازَعَا فِيهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ تَعْرِيفِ لُقَطَتِهِ هَلْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَوْلَاهُ وَإِذَا عُرِّفَتْ فَهَلْ يَتَمَلَّكُهَا الْمَوْلَى إنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ الِالْتِقَاطُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَهَلْ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ إذْنٌ فِي الِالْتِقَاطِ وَهَلْ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي رَشِيدٍ قَالَ وَجَدْت خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْحِيرَةِ وَأَنَا مُكَاتَبٌ قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ اعْمَلْ بِهَا وَعَرِّفْهَا قَالَ فَعَمِلْت بِهَا حَتَّى أَدَّيْت مُكَاتَبَتِي ثُمَّ أَتَيْته فَأَخْبَرْته فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَالِ اهـ.
وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ رَدَّ الْآبِقَ فَالْجُعْلُ لِمَوْلَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِالْتِقَاطِ وَأَنَّ الْمَوْلَى يُعَرِّفُهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكُهَا إنْ كَانَ فَقِيرًا.
وَأَمَّا إسْلَامُ الْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ لَوْ أَقَامَ مُدَّعِيهَا شُهُودًا كُفَّارًا عَلَى مُلْتَقِطٍ كَافِرٍ قُبِلَتْ اهـ.
فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِ الْكَافِرِ وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصْدِيقِ بَعْدَهُ أَوْ الِانْتِفَاعُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْتِقَاطِ الْمُرْتَدِّ لَقِيطًا أَوْ لُقَطَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا لَمْ يُقَيِّدُوا الْمُلْتَقِطَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِهِ عِنْدَنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ مَذْهَبَنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ شَاذٌّ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ والتتارخانية وَالِاخْتِيَارِ وَارْتَضَاهُ فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ مَا خَافَ الضَّيَاعَ إلَخْ) أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ ضَمَانِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانٍ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا إلَيْهِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنَّمَا يَبْرَأُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ لِيَأْكُلَهَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَرَكِبَهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ ضَامِنًا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا يَكُونُ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهَا وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْضًا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا خَافَ ضَيَاعَهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ حِينَئِذٍ بَعْدَ رَفْعِهَا فَكَيْفَ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْحَمَوِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَلَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ اهـ.
قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ