للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَكَرَ فِي اللَّقِيطِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِي فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ الْتَقَطَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَأَخَذَهُ مِنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ اخْتَصَمَا فِيهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ بِحُكْمِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ آخَرُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ لَمَا وَجَدَهُ مَطْرُوحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ وَلَا كَذَلِكَ اللُّقَطَةُ لِأَنَّ لَهَا مُسْتَحَقًّا آخَرَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ كَالْأَوَّلِ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ أَحَقَّ بِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ لَوْ انْتَزَعَهَا إنْسَانٌ مِنْهُ غَصْبًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا فَكَيْفَ يُبْطِلُهُ الثَّانِي نَعَمْ لَوْ ضَاعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْتَقَطَهَا آخَرُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يُخَاصِمُهُ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا إذَا ضَاعَتْ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى فِيمَا إذَا ضَاعَتْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّقِيطِ وَأَمَّا اللُّقَطَةُ فَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ لُقَطَةٍ وَلُقَطَةٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَان وَمَكَانٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَمَانَةٌ إنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا وَأَشْهَدَ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَرَمِ «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدِهَا» فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَرَمِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِمَكَانٍ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا.

وَأَمَّا كَوْنُهَا أَمَانَةً فَلِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْعَامَّةِ قَيَّدَ بِأَخْذِهَا لِيَرُدَّهَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الشَّرْعِ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا كَالْبَيِّنَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذْته لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِاخْتِيَارِهِ الْحَسَنَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يُبَرَّأُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الظَّاهِرِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَرَجَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.

وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ.

وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ عِنْدِي لُقَطَةً كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ لُقَطَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ فَدُلُّوهُ عَلَى كَفَاهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ الرَّفْعِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الظَّالِمُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنِي مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُشْهِدُهُ فَجَاوَزَهُ ضَمِنَ وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَدَ الصَّبِيُّ لُقَطَةً وَلَمْ يُشْهِدْ يَضْمَنُ كَالْبَائِعِ اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِهَا لُقَطَةً لَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ الْتَقَطَهَا لِلْمَالِكِ أَوْ لَا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا لُقَطَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ أَخَذْتهَا غَصْبًا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لُقَطَةً وَقَدْ أَخَذْتهَا لَك فَالْمُلْتَقِطُ ضَامِنٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَقَدْ بَرِئَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ أَحَقَّ بِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الْخُصُومَةَ لِأَنَّ يَدَهُ أَحَقُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>