للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْأَجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ اهـ.

وَظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ التَّخْطِئَةِ لَوْ صَحَّ الْفَرْعُ وَقَدْ رَدَّ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّخْطِئَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْفَرْعِ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُمْ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ بِأَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَثِمَ، وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ

وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ خَفَى عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَا كَانَ حُكْمًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَالرُّخْصَةُ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي تَعْرِيفِهِمَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا عُرِفَ فِيهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ تَمْثِيلِهِمْ وَعَدَمِ صِحَّةِ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ) أَيْ جَوَابُ صَاحِبِ الْكَافِي الْإِمَامِ النَّسَفِيِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْ الْعِبَارَةَ بِعَيْنِهَا كَمَا قَالَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ (قَوْلُهُ: أَثِمَ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ: وَالْعَجَبُ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا سَبَقَ عَنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَقُولُ: مَا قَالَهُ مِنْ الْمُرَادِ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ، وَهُوَ الْجَوَازُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ أَئِمَّتَنَا إنَّمَا يُرِيدُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْفِعْلِ الْجَوَازَ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ غَيْرَ أَنَّ الثَّوَابَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْعِبَادَةُ فَغَسْلُ الرِّجْلِ حَالَ التَّخَفُّفِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِتَنْظِيرِهِ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْعَزِيمَةِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ رَكْعَتَانِ لَا يُطِيقُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمَا فَرْضًا كَمَا لَا يُطِيقُ الْمُقِيمُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ فَرْضًا، وَإِنَّمَا يُتِمُّ فَرْضَهُ رَكْعَتَيْنِ فَحَسْبُ وَأَثِمَ لِبِنَاءِ النَّفْلِ، وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ الْأُخْرَيَانِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِهَا وَإِبَاحَتِهَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُتَخَفِّفِ الَّذِي انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغَسْلُ شَرْعًا وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ بُطْلَانُ الْمَسْحِ وَلُزُومُ نَزْعِ الْخُفِّ لِإِتْمَامِ الْغَسْلِ وَلَوْ قَدَرَ أَنَّهُ غَسَلَ كِلْتَا الرِّجْلَيْنِ مُتَخَفِّفًا لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِتَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ مَعَ جَوَازِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ بِهِ فَثَبَتَ مَشْرُوعِيَّةُ الْغَسْلِ حَالَ التَّخَفُّفِ بِمَعْنَى تَصَوَّرَ وُجُودُهُ شَرْعًا وَتَحَقُّقُهُ بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ وَاعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى أَهْلِ الْأُصُولِ مُقَرَّرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الْمَسْحِ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ وَإِثْبَاتُ أَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ مَا يُرَخَّصُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَفِي هَذَا النَّوْعِ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ مَعَ وُجُودِ التَّرَخُّصِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي حَالِ السَّفَرِ وَيُثَابَ عَلَيْهِ فَالْمُتَخَفِّفُ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَالَ التَّخَفُّفِ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَيُثَابُ عَلَيْهِ إذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَمَا بَطَلَ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ وَلَمَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْمُحَقِّقِ كَمَالِ الدِّينِ وَكَلَامَ صَاحِبِ الدُّرَرِ عَلِمْت أَنَّ تَنْظِيرَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَلْحَظِ الْآخَرِ فَمُحَصَّلُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ مَنْعُ صِحَّةِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْعُ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ وَمُحَصَّلُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ صِحَّةُ كَلَامِهِ فِي ذَاتِهِ وَمَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى النَّسَفِيِّ وَالْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ مَنَعَ مَنْعَهُ وَأَثْبَتَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَرَدَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. مُلَخَّصًا.

لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْحَلَبِيِّ مِنْ نَفْيِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ وَادِّعَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، فَإِنَّ حُكْمَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالْغَسْلُ حَالَ التَّخَفُّفِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَلَيْسَ مِنْ رُخْصَةِ التَّرْفِيهِ فِي شَيْءٍ إذْ الْمَعْنَى رُخْصَةٌ مُخَفَّفَةٌ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهِ لِلْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ كَقَصْرِ الْمُسَافِرِ فَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْمُتَخَفِّفِ أَفْضَلَ مِنْ مَسْحِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْمَقَامِ مِنْ الْكَلَامِ الْوَافِي لِتَحْقِيقِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ عِنْدَهُمَا فَقَدْ دَلَّ كَلَامُهُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْفُحُولِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>