للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْحِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ فِي سِيَاقِ نَقْلِهِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ. اهـ.

لَكِنْ ذَكَرَ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا فَدَخَلَ الْمَاءُ إحْدَاهُمَا إنْ وَصَلَ الْكَعْبَ حَتَّى صَارَ جَمِيعُ الرِّجْلِ مَغْسُولًا يَجِبُ غَسْلُ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْكَعْبَ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ

وَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ أَقَرَّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الرِّجْلَيْنِ وَقْتَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُزِيلَ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاسِحُ امْرَأَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاجَّةِ وَلِغَيْرِهَا سَفَرًا وَحَضَرًا.

(قَوْلُهُ: لَا جُنُبًا) أَيْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْوِيرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ وَقَدْ لَبِسَ عَلَى وُضُوءٍ وَجَبَ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجَنَابَةَ أَلْزَمَتْهُ غُسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَمَعَ الْخُفِّ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ وَفِي الْكِفَايَةِ صُورَتُهُ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ جَوْرَبَيْنِ مُجَلَّدَيْنِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّهُمَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ مُضْطَجِعًا وَيَمْسَحَ عَلَيْهِ اهـ.

وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الِاغْتِسَالُ مَعَ وُجُودِ الْخُفِّ مَلْبُوسًا وَقِيلَ صُورَتُهُ مُسَافِرٌ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ فَتَيَمَّمَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا فَإِذَا فَعَلَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ السِّرَايَةَ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا فَإِذَا لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى فَقَدَهُ تَيَمَّمَ لَهُ فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ وَقَدْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ كَوْنُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ لَا طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَإِنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اللُّبْسُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ وَلَمْ يُرِدْ مِنْ قَوْلِهِ مَا يُوَسِّعُ مَوْرِدَهُ فَيَلْزَمُ فِيهِ الْمَاءُ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَحَدِيثُ صَفْوَانَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ لِلْجَنَابَةِ. اهـ.

وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[منحة الخالق]

دَلَّ عَلَى قِصَرِ بَاعِهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلِهِ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ، وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يُنْقَضُ مَسْحُهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ م وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْمَسْحِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ.

فَهَذَا نَصٌّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَضَعُفَ مَا يُقَابِلُهُ اهـ. كَلَامُهُ.

(قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية أَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْعَهُ عَنْ هَذَا مُنِعَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضَى عَمَلُهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخْفِيفِ فَإِذَا نَزَعَ وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضَى الْآنَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ بَعْدَ غَسْلِهَا إذْ ذَاكَ لَا تَعُودُ جَنَابَتُهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا مَرَّةً أُخْرَى لِأَجْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>