للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ادَّعَى مِلْكًا فِي دَارٍ بِيَدِ مُتَوَلٍّ يَقُولُ وَقَفَهُ زَيْدٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَحَكَمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي فَلَوْ ادَّعَى مُتَوَلٍّ آخَرَ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي أَنَّهُ وُقِفَ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا مِنْ جِهَةِ بِكْرٍ تُقْبَلُ إذْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ هُوَ زَيْدٌ الْوَاقِفُ لَا مُطْلَقُ الْوَاقِفِ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِيَّةِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْعَارِضِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ عَلَى الْكَافَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ فَصْلِ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا قَضَى الْقَاضِي لِإِنْسَانٍ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءِ عَتَاقَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لَا تُسْمَعُ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا الْقَضَاءُ الَّذِي يَكُنْ عَلَى الْكَافَّةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَأَقَامَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَرَّخَا فَهِيَ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلُزُومِهِ طَرِيقًا وَاحِدَةً وَهِيَ الْقَضَاءُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَكِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا فَمَاتَ لَمْ تَصِرْ وَقْفًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ فَاجْعَلُوهَا وَقْفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ لَا تَعْلِيقُ الْوَقْفِ نَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ بِمَنْزِلَةِ تَمْلِيكِ الْهِبَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالتَّمْلِيكُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَطَرِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بَاطِلًا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى مَا عَرَفْت بِأَنَّ صِحَّتَهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ وَصِيَّةً وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَرِئَ أَوْ مَاتَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرْضِي بَعْدَ مَوْتِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً جَازَ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ أَوْ إضَافَةٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ شَرْطًا يَمْنَعُ التَّأْبِيدَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ اهـ.

وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ عَلَّقَ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَيَكُونُ مِلْكُ الْوَاقِفِ بَاقِيًا فِيهِ حُكْمًا يُتَصَدَّقُ مِنْهُ دَائِمًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَبْقَى الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلْوَقْفِ وَثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ. اهـ.

قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إذَا خَافَ الْوَاقِفُ إبْطَالَ وَقْفِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا الْقَضَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَ الْوَاقِفُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَمَتَى فَعَلَ يَنْبَرِمُ الْوَقْفُ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَسْعَى فِي إبْطَالِهِ لِأَنَّ سَعْيَهُ حِينَئِذٍ يَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ لِلُزُومِ التَّصَدُّقِ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ لِكَوْنِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ ثَالِثٍ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ لَا فِي اللُّزُومِ لِأَنَّهُ قَالَ وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اللُّزُومَ لَا زَوَالَ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ وَمَعْنَى اللُّزُومِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَا وَقْفٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْفًا لَزَالَ الْمِلْكُ بِهِ (قَوْلُهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>