كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْعِمَارَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ قُلْتُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ وَيَجُوزُ شِرَاءُ عِمَارَةِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِلْمَسْجِدِ إذَا كَانَتْ الرَّقَبَةُ وَقْفًا وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَمِنْ الْبُيُوعِ وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْعِمَارَةِ فِي الْحَانُوتِ وَالْأَشْجَارِ فِي الْأَرْضِ أَنْ لَا يَلْحَقَهَا ضَرَرٌ بِالْقَلْعِ لِأَمْلَاكِ الْبَاعَةِ وَفِي الْوَقْفِ لَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ بَاعَ بِنَاءً وَاسْتَثْنَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ اسْتَثْنَى مَا فِيهِ مِنْ اللَّبِنِ وَالتُّرَابِ يَجُوزُ إذَا اشْتَرَاهُ لِلنَّقْضِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ دَارٌ لِسُكْنَى الْإِمَامِ هَدَمَهَا وَبَنَاهَا لِنَفْسِهِ وَسَقْفُهَا مِنْ الْخَشَبِ الْقَدِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُ الْبِنَاءِ إنْ بَنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَفِيهَا أَيْضًا وَقَفَ دَارًا عَلَى إمَامِ مَسْجِدٍ لِيَسْكُنَهُ بِشَرَائِطِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَؤُمُّ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا) يَعْنِي أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بَعْدَ التَّعْمِيرِ إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَقْفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا أَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ لَزِمَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِعَارَةَ وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَصَّافِ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَلَوْلَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَمَا مَلَكَهَا لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَيْنِ.
وَالْإِجَارَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَأَنْ لَا تَصِحَّ إعَارَتُهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي عَدَمَ الْإِجَارَةِ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْتَحِقُّ لِلْغَلَّةِ أَيْضًا.
وَنَصَّ الْأُسْرُوشَنِيُّ أَنَّ إجَارَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي وَنُقِلَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَسْتَرِمُّ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ إذَا لَمْ يَصِحَّ إيجَارُهُ مَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ الَّتِي آجَرَهَا قُلْتُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْفِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالُوا عَمَّرَهَا الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي لَكَانَ أَوْلَى.
فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي أَنَّ لِلْقَاضِي الِاسْتِقْلَالَ بِالْإِجَارَةِ وَلَوْ أَبَى الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ فَالْقَاضِي يُؤَجِّرُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ لَهَا وَأَبَى الْأَصْلَحُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ حُكْمَ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ لَهُ السُّكْنَى أَوْ لَا وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ أَجَّرَ الْقَيِّمُ وَأَنْفَقَ الْأُجْرَةَ فِي الْعِمَارَةِ فَتِلْكَ الْعِمَارَةُ الْمُحْدَثَةُ تَكُونُ لِصَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِصَاحِبِ السُّكْنَى.
فَكَذَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ تَكُونُ لَهُ وَالْقَيِّمُ إنَّمَا أَجَّرَ لِأَجْلِهِ اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا لَوْ عَمَّرَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى بِالْعِمَارَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا لَمْ أَرَ حُكْمَ هَذِهِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْحَالُ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ نَقْضًا عَلَى الْأَرْضِ كَوْمًا تَسْفُوهُ الرِّيَاحُ وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يُعَمِّرَهَا لِيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ
ــ
[منحة الخالق]
الْمَرَمَّةَ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَ فِي إجْبَارِهِ إتْلَافُ مَالِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ مَا مَرَّ اهـ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي. اهـ.
وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالُوا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَصْحَابَ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فُرُوعًا وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ. اهـ.
وَالْإِجَارَةُ تَصَرُّفٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْزِيعُ يَعْنِي إنْ أَبَى الْمُتَوَلِّي أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي وَسَيَأْتِي أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ وَعَنْ وَصِيِّهِ تَنَبَّهْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ