للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّمِّ لُغَةً حَكَاهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْفِقْهِ اللَّفْظُ الصَّادِرُ ثَانِيًا الْوَاقِعُ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ، وَلِذَا سُمِّيَ قَبُولًا هَكَذَا عَرَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الصَّادِرُ ثَانِيًا، قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْأَعَمُّ مِنْهُ، وَمِنْ الْقَبُولِ

، فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِعْته بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قُبِضَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ فَفِي جَعْلِ مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُك بِأَلْفٍ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ أَيْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

وَلَا حَاجَةَ إلَى تَغْيِيرِ كَلَامِ الْقَوْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَنَّ الْقَبُولَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِعْلٌ.

وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ يَقُومُ الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبُولِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَيْت طَعَامَك هَذَا بِأَلْفٍ فَتَصَدَّقْ بِهِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ جَازَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا لَا وَقُيِّدَ اللُّزُومُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُمَا إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا قَالَ بِعْت مِنْك فَقَدْ مَلَكَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَقَدْ تَمَلَّكَ الْعَبْدَ وَمَلَّكَهُ الثَّمَنَ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَمْلِكَ الثَّمَنَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَيَنْبَغِي حِفْظُهُ لِغَرَابَتِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدَهُمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ لَا يَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ بِدُونِ رِضَاهُ وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ لِخُلُوِّهِ عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَعَ ثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِّ وَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْآخَرِ رُجُوعَ الْمُوجِبِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتِمَّةِ يَصِحُّ الرُّجُوعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ خِيَارُ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يُبْطِلُهُ وَأَشَارَ بِاللُّزُومِ بِهِمَا إلَى أَنَّهُمَا لَوْ أَقَرَّا بِبَيْعٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَإِلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا، وَلَوْلَا هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالِانْعِقَادِ تَبَعًا لِلْقَوْمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِمَا إنَّمَا هُوَ الِانْعِقَادُ.

وَأَمَّا اللُّزُومُ فَمَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ أُخَرَ مَخْصُوصَةٍ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ عَمَلًا بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَأَوَّلَهُ أَبُو يُوسُفَ بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِتَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِيَارِ فِيهِ خِيَارُ الْقَبُولِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ إشَارَةً إلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ لَا بَعْدَهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ دَامَا جَالِسَيْنِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ آخَرُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَجَازَانِ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي.

وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَنْ نَفَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ ارْتَكَبَ مَجَازَيْنِ حَمْلُهُ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ وَحَمْلُهُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ وَأَيْضًا فَكَلَامُ الشَّارِعِ يُصَانُ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إنْ شَاءَا عَقَدَا أَوْ إنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَا أَوْ هُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ اهـ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْبِنَايَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَالْبَيْعُ عَقْدٌ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ لِلتَّوَثُّقِ فَلَوْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى «وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>