للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خِيَارٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا قَبْلَهُ وَرَجَّحَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْبَدَنِ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ كَمَا فِي الصَّرْفِ حَالَ الْقَبْضِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مَعْنَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ فَفِي الْمُسْتَصْفَى وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا أَقْبَلُ فَالتَّفَرُّقُ رَدُّ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَتَفَرُّقِ بَنِي إسْرَائِيلَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً بِمَعْنَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هُوَ قَبُولُ الْآخَرِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ تَفَرَّقَا وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ كَتَفَرُّقِ الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وُجِدَ التَّفَرُّقُ لَمْ يَبْقَ الْبَيْعُ أَصْلًا وَعَلَى الثَّانِي لَمْ يَبْقَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَقَدْ فَهِمَ الرَّاوِي أَعْنِي ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْحَدِيثِ فَكَانَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ لَكِنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَابِتٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْأَبْدَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَبْدَانِ فَوَاضِحٌ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِهِمَا بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ وَقَوْلَ الْآخَرِ لَا بَلْ بِعِشْرِينَ افْتِرَاقٌ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، فَإِنَّهُمَا مُتَوَافِقَانِ فَيَتَعَيَّنُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا فَعَلَى هَذَا إذَا وُجِدَ التَّفَرُّقُ انْقَطَعَ الْبَيْعُ لَا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَإِذَا احْتَمَلَ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً عَلَى مُعَيَّنٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» وَكَانَا جَمِيعًا، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِكُلِّ تَأْوِيلٍ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ بِالْقَوْلِ لَخَلَا الْحَدِيثُ عَنْ الْفَائِدَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَطْلَقَ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُمَا بِالْمَاضِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِانْعِقَادِهِ بِكُلِّ لَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنَى التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ مَاضِيَيْنِ أَوْ حَالَيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ يَنْعَقِدُ بِالْمَاضِي بِلَا نِيَّةٍ وَبِالْمُضَارِعِ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا مَعَ كَوْنِهِ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالنِّيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْبَلَدِ يَسْتَعْمِلُونَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ لَا لِلْوَعْدِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَأَهْلِ خُوَارِزْمَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا.

وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِإِخْرَاجِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ أَمْرًا أَوْ مُضَارِعًا مَبْدُوءًا بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ مَعْنَاهُمَا فَيُقَالُ إنْ دَلَّ الْأَمْرُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ انْعَقَدَ بِهِ كَخُذْهُ بِكَذَا، فَقَالَ أَخَذْته، فَإِنَّهُ كَالْمَاضِي يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ يُحْسَبُ الْوَضْعُ وَاسْتِدْعَاءُ خُذْهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك فَخُذْ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ وَيَثْبُتُ اشْتَرَيْت اقْتِضَاءً وَيَصِيرُ قَابِضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهُوَ حُرٌّ فَلَا يُعْتَقُ كَقَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْإِيجَابِ أَنَا آخُذُهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَلَوْ قَالَ أَخَذْتُهُ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِقَصَّابٍ زِنْ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ كَذَا بِدِرْهَمٍ فَفَعَلَ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَكَانَ لِلْآمِرِ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَخْذِهِ، وَلَوْ قَالَ زِنْ لِي مِنْ مَوْضِعِ كَذَا مِنْ هَذَا اللَّحْمِ بِكَذَا دِرْهَمًا فَوَزَنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَ بَيْعًا وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُضِيَّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَّا النِّكَاحَ تَسَاهُلٌ.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالُوا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك أَوْ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ بِثَوْبِك هَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ التَّعَاطِي أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْعُقُودِ التَّمْلِيكِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>