طَهَارَةٍ وَيَدْخُلُ فِي التَّخْصِيصِ الْأَذْكَارُ الْمَنْقُولَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِكَوْنِهَا مِنْ مُكَمِّلَاتِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ لَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ فَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ إلَّا لِصَارِفٍ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّارِفَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى كَانَ طُهُورًا لِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ كَانَ طُهُورًا لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْوُضُوءِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: ضَعْفُ الْحَدِيثِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
الثَّانِي: أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ فَقَطْ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَقْتَضِي تَجَزُّؤَ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَدَّهُ الْأَكْمَلُ فِي تَقْدِيرِهِ بِأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مُقْتَصِرَةً عَلَى مَا غَسَلَ، نَعَمْ بَدَنُ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ وَقِيلَ الصَّارِفُ عَدَمُ حِكَايَةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَهَا لَمَّا حَكَيَا وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ فَكَيْفَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَمْ يَنْقُلَا التَّخْلِيلَ وَالسِّوَاكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الصَّارِفَ هُوَ عَدَمُ تَعْلِيمِهَا لِلْأَعْرَابِيِّ لَمَّا عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ، وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ فَأَدَّى النَّظَرُ إلَى وُجُوبِهَا غَيْرَ أَنَّ صِحَّةَ الْوُضُوءِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَاطِعِ وَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِالِافْتِرَاضِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ صَارِفٌ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِظَنِّيَّتِهَا مُشْتَرَكَهَا فَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ
وَنَفْيُ الْكَمَالِ احْتِمَالٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِظَنِّيَّتِهَا مَا فِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَوْ مَرْجُوحًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ عَدَمُ النَّقْلِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ إلَى آخِرِهِ لَا يَتِمُّ فِي الْوَاجِبِ إذَا لَا يَجُوزُ فِي التَّعْلِيمِ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ وَاجِبَةً لَذَكَرَاهَا لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا بِخِلَافِ السُّنَنِ فَكَانَ هَذَا صَارِفًا سَالِمًا عَنْ الرَّدِّ وَمُرَادُهُمْ مِنْ ظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ مُشْتَرَكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ شَرْعِيٌّ أُطْلِقَ تَارَةً وَأُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ نَحْوَ «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» «وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأُطْلِقَ تَارَةً مُرَادًا بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ نَحْوَ «لَا صَلَاةَ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ» وَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَتَعَيَّنَ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهِ عَلَى النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ شَرْطًا فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ الْحَدِيثُ ظَنِّيًّا، وَبِهِ تَثْبُتُ السُّنَّةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّسْمِيَةِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفَى ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ عَنْ حَدِيثِ التَّسْمِيَةِ بِمَعْنَى مُشْتَرَكِهَا وَأَثْبَتَهَا لَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِأَنْ قَالَ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَفْيِ الْكَمَالِ قَائِمٌ فَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَيْفَ
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي ابْتِدَاء الْوُضُوءِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِهِ فَسَمَّى لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِخِلَافِ نَحْوِهِ فِي الْأَكْلِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، فَإِنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ اهـ.
وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا أَكَلْت اللَّحْمَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلٌ لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ هُوَ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لَا اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَ اهـ.
وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَإِتْيَانُهُ بِهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا مَطْلُوبٌ وَلَفْظُهُ، فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا إذَا ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَوْ مَا مَرَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَعْنِي «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» نَفْيُ الْفَضِيلَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ نَفْيُ الْجَوَازِ فَيُفِيدُ كَوْنَهَا فَرْضًا لَكِنْ لِكَوْنِهِ آحَادًا لَا يُفِيدُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ فَيُحْمَلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أُرِيدَ بِظَنِّهَا مَا فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَوْ مَرْجُوحًا) أَيْ فَيَدْخُلُ فِيهِ احْتِمَالُ نَفْيِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ) أَيْ قَوْلَ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ) فِي دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا) يَعْنِي بِخُصُوصِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ أَقْطَعُ» وَيُرْوَى «أَبْتَرُ» وَيُرْوَى «أَجْذَمُ» وَأَدْنَى مَا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُذْهَبُ (قَوْلُهُ: فَإِتْيَانُهُ بِهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ أَمَّا أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَمَا فِي كَلَامِ الْكَمَالِ وَالزَّيْلَعِيِّ مَا يَمْنَعُهُ تَأَمَّلْ. اهـ. مَقْدِسِيٌّ
هَذِهِ لِقَوْلِهِ لَيْسَتْ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ كَلَامِ ابْنِهِ بِهَامِشِ الْبَحْرِ.