لَا لِمَا فِي الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالُوا وَلَا يُدْخِلُ الْكَفَّ حَتَّى لَوْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْتَغَى وَمَعْنَاهُ صَارَ الْمَاءُ الْمُلَاقِي لِلْكَفِّ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ لَا جَمِيعُ مَاءِ الْإِنَاءِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالُوا يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِلْحَدِيثِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَتْزِيهٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَصْرُوفٌ عَنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ «، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»
فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ فَلَا يُدْخِلُ الْيَدَ فِيهِ أَصْلًا، وَفِي الْكَبِيرِ عَلَى إدْخَالِ الْكَفِّ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْدِثَ أَوْ الْجُنُبَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلِاغْتِرَافِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ غَيْرَهُ أَنْ يَغْتَرِفَ بِيَدَيْهِ لِيَصُبَّ عَلَى يَدَيْهِ لِيَغْسِلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُرْسِلْ فِي الْمَاءِ مِنْدِيلًا وَيَأْخُذْ طَرَفَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يُخْرِجْ مِنْ الْبِئْرِ فَيَغْسِلْ الْيَدَ بِقَطَرَاتِهِ ثُمَّ يَغْسِلْ الْيَدَ الْأُخْرَى أَوْ يَأْخُذْ الثَّوْبَ بِإِسْنَانِهِ فَيَغْسِلْ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ الَّذِي يَتَقَاطَرُ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَرْفَعْ الْمَاءَ بِفَمِهِ فَيَغْسِلْ يَدَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْمَاءِ بِفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ مُزِيلٌ لِلْخَبَثِ (قَوْلُهُ: كَالتَّسْمِيَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا أَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ الْوُضُوءُ عَنْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَفْظُهَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُبَسْمِلُ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ إنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَالْبَسْمَلَةِ فَحَسَنٌ وَفِي الْمُحِيطِ السُّنَّةُ مُطْلَقُ الذِّكْرِ كَالْحَمْدِ لِلَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قِيلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ إلَّا مَعَ الِانْكِشَافِ، وَفِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لِوُجُوبِ التَّسْمِيَةِ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» ، وَهُوَ، وَإِنْ ضُعِّفَ ارْتَقَى إلَى الْحَسَنِ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِمُعَارَضَتِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ» وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُهَاجِرِينَ «قُنْفُذٌ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ» فَهَذِهِ تُفِيدُ عَدَمَ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْمَهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَمُقْتَضَاهُ انْتِفَاؤُهُ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَعَقَّبَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ التَّسْمِيَةُ أَفْضَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَأَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَالِيًا عَنْ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَجُوزُ نِسْبَةُ تَرْكِ الْأَفْضَلِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ لَهُ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَوُضُوئِهِ مَرَّةً مَرَّةً تَعْلِيمًا لِجَوَازِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْمُسْتَحَبِّ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ لَوَازِمِ إكْمَالِهِ فَكَانَ ذِكْرُهَا مِنْ تَمَامِهِ وَالذَّاكِرُ لَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِهَا لِإِقَامَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْفَرْضِ فَخُصَّتْ مِنْ عُمُومِ الذِّكْرِ وَمُطْلَقُ الذِّكْرِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْوُضُوءِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطْلَقَ اللِّسَانُ بِهِ إلَّا عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُزِيلٌ لِلْخَبَثِ) أَيْ فَيَرْفَعُ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مُزِيلُ الْخَبَثِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ الْإِنَاءَ لِيُزِيلَ الْحَدَثَ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَخَذَ بِفَمِهِ مَاءً مِنْ الْإِنَاءِ فَغَسَلَ بِهِ جَسَدَهُ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً مِنْ بَدَنِهِ أَجْزَاهُ، وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحْدِثٌ مَعَهُ مَاءٌ قَلِيلٌ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَأَخَذَ الْمَاءَ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ غَسْلَ فِيهِ ثُمَّ غَسَلَ بِهِ يَدَيْهِ قَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَطْهُرُ يَدُهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي أَخَذَهُ بِفِيهِ خَالَطَهُ الْبُزَاقُ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَاءً مُطْلَقًا فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ نَحْوُ الْخَلِّ وَالْمَرَقِ وَالدُّهْنِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَفِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ يَطْهُرُ كَالثَّوْبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَطْهُرُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُدْفَعُ) أَيْ يُدْفَعُ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ نِسْبَةُ تَرْكِ الْأَفْضَلِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّرْكُ دَائِمًا بِدَلِيلِ سَابِقِ الْكَلَامِ فَلَا يَرِدُ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَخُصَّتْ مِنْ عُمُومِ الذِّكْرِ) أَيْ الَّذِي تُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الذِّكْرِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْوُضُوءِ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي الْمَخْصُوصِ بَقِيَّةُ الْأَذْكَارِ لِلْوُضُوءِ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا كَانَتْ مَخْصُوصَةً مِمَّا ذُكِرَ تَنْتَفِي الْمُعَارَضَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ فَيَبْقَى الْحَدِيثُ مُفِيدًا لِلْوُجُوبِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ تَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute