للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ يُخَالِفُهُ فَإِنْ اُعْتُبِرَ تَصْحِيحُ التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ عَلَى الْبَائِعِ، وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ مِنْ الشَّارِحِينَ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مُنَافَاةٌ بَيْنَهُمَا فَقَالُوا فِيمَا مَضَى إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ رَدِّ غَيْرِ مَا أَخَذَهُ، وَقَالُوا هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَهُ فَهُوَ مُتَعَيَّنٌ مِنْ جِهَةِ فَسَادِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ، وَغَيْرُ مُتَعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فَاسِدَ الْمُعَاوَضَاتِ كَصَحِيحِهَا فَاعْتَبَرُوا الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فِي لُزُومِ رَدِّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ، وَالثَّانِي فِي حِلِّ رِبْحِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ لِدَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْقَامُوسِ غَلَّةُ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهَا إيَّاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ طَابَ لَهُ رِبْحُهُ) أَيْ مَا رَبِحَهُ فِي الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْجَارِيَةُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَبَطَلَ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَبَاعَهُ عِنْدَ الْغَيْرِ بِالدَّيْنِ فَقَبَضَهُ الْحَالِفُ، وَفَارَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ، وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْمَدِينَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ بَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَدَلًا عَمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ الدَّيْنُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ. اهـ.

وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ وُجُوبُهُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا زَعْمُ الْمُدَّعِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ، وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا، وَبَاعَهُ بِدَيْنِهِ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ النَّجْشُ) شُرُوعٌ فِي مَكْرُوهَاتِ الْبَيْعِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ بَحَثَ هُنَا بَحْثًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ تَرَكْتُهُ عَمْدًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَبِيحٌ فَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ أَفَادَ بُطْلَانَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِوَصْفٍ كَبَيْعِ الرِّبَا وَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَفَادَ فَسَادَهُ، وَإِنْ كَانَ لِمُجَاوِرٍ كَهَذِهِ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ أَفَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ، وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَنْ تُسَامَ السِّلْعَةُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَرَاك الْآخَرُ فَيَقَعُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَأَصْلُهُ مِنْ نَجْشِ الصَّيْدِ، وَهُوَ إثَارَتُهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْقَامُوسِ النَّجْشُ أَنْ تُوَاطِئَ رَجُلًا إذَا أَرَادَ بَيْعًا أَنْ تَمْدَحَهُ أَوْ أَنْ يُرِيدَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَبِيعَ بِيَاعَةً فَتُسَاوِمُهُ بِهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لِيَنْظُرَ إلَيْكَ نَاظِرٌ فَيَقَعَ فِيهَا أَوْ أَنْ تُنَفِّرَ النَّاسَ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِثَارَةُ الصَّيْدِ، وَالْبَحْثُ عَنْ الشَّيْءِ وَإِثَارَتُهُ وَالْجَمْعُ وَالِاسْتِخْرَاجُ وَالْإِنْقَاذُ وَالْإِسْرَاعُ كَالنِّجَاشَةِ بِالْكَسْرِ. اهـ.

وَحَدِيثُ النَّهْيِ لَا تَنَاجَشُوا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَيَّدَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ.

(قَوْلُهُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) لِلْحَدِيثِ «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنٍ فِي الْمُسَاوَمَةِ فَإِذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي

ــ

[منحة الخالق]

الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبَ أَوْ ثَمَنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ فِي الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَخَذَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَ يَعْقُوبْ بَاشَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ. اهـ.

وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي السَّعِيدِيَّةِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ قَبْلَ إطْلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَأَنَا فِي عَجَبٍ عَجِيبٍ مِنْ فَهْمِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ التَّنَاقُضَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ مَعَ ظُهُورِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّقُودِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً صَحِيحًا بِمَا قَبَضَهُ فِي الْفَاسِدِ إذَا رَبِحَ فَقَدْ رَبِحَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ ذَلِكَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُهُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا بِإِرْثٍ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيلَهُ أَوْفَاهُ لِأَبِيهِ فَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ حِينَئِذٍ فَيَطِيبُ لَهُ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ، وَأَقَرَّهُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>