بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَهَلَاكُ بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ هَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُهَا بِقَدْرِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إلَّا إذَا هَلَكَا بِخِلَافِ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ إذَا هَلَكَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا رَدُّ الْمِثْلِ بَعْدَهَا، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اشْتَرَى عَبْدًا بِنُقْرَةِ فِضَّةٍ أَوْ بِمَصُوغٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَتَقَابَضَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا، وَالْفِضَّةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ صَحَّتْ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الْفِضَّةِ بِعَيْنِهَا، وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَقَايَلَا فَأَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ اهـ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَطَلَتْ، وَعَادَ الْبَيْعُ قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ، وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ الْمَبِيعِ بَاقٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ الزَّرْعِ، وَحَصَدَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعُ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْقَصِيلِ دُونَ الْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَإِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِمَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ فَقَطَعَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ قِيمَةِ الْأَشْجَارِ، وَتُسَلَّمُ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي هَذَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِقَطْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَهَا خُيِّرَ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ، وَلَزِمَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْإِقَالَةِ أَنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ التَّرْكِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَرَقَمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّ الْأَشْجَارَ لَا تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لَا قَصْدًا، وَلَا ضِمْنًا. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ إقَالَةُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ هَالِكًا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إلَخْ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بِأَنْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَقَالَا الْبَيْعَ فِي الْجَارِيَةِ وَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا هَلَكَا) أَيْ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَدَلَيْنِ إلَخْ أَيْ فَإِنَّ هَلَاكَهُمَا جَمِيعًا غَيْرُ مَانِعٍ مَعَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِأَعْيَانِهِمَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ بَلْ رَدُّ الْمَقْبُوضِ وَرَدُّ مِثْلِهِ سِيَّانِ فَصَارَ هَلَاكُهُمَا كَقِيَامِهِمَا، وَفِي الْمُقَايَضَةِ تَعَلَّقَ بِأَعْيَانِهِمَا قَائِمَيْنِ فَمَتَى هَلَكَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُرَدُّ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) أَيْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَإِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى اشْتَرَى حِمَارًا مُوَكَّفًا، وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ إكَافُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ، وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا يَرُدُّهُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَبِيعِ، وَإِنْ دَخَلَتْ تَبَعًا، وَمِثْلُهُ الشَّجَرُ إذَا دَخَلَ تَبَعًا، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ الرَّقْمِ الْآخَرِ، وَأَمَّا عَلَى الرَّقْمِ الْآخَرِ فَكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهِ دَخَلَ ضِمْنًا أَوْ قَصْدًا، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا لَا قَصْدًا، وَلَا ضِمْنًا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ، وَأَقُولُ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ تَأَمَّلْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ كَرْمًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي نُزُلَهُ سَنَةً ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْأَجْنَبِيُّ اهـ.
أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَمْنَعَ الْإِقَالَةَ كَمَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ تَأَمَّلْ، وَأَقُولُ: وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الْمُنْفَصِلَةُ إذَا كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَكَسْبٍ وَغَلَّةٍ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ يَظْهَرُ لَكَ ذَلِكَ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ ازْدَادَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا تَفَقَّهْنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ، وَفِي الْمُجْتَبَى الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا تَمْنَعُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبَعْدَهُ الْمُنْفَصِلَةُ لَهُ تَمْنَعُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا تَحَالَفَا كَانَ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَمَا لَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بِإِقَالَةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَبْقَى الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ