للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلدَّيْنِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ لَهُ فَائِدَتَيْنِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِكُلِّهِ) أَيْ بِكُلِّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَبِالزِّيَادَةِ فَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ الزِّيَادَةَ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالْكُلِّ، وَإِذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ، وَإِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالْكُلِّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ الشُّفْعَةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ الدَّارَ بِأَلْفٍ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ صَحَّ حَطُّهُ، وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْمَحْطُوطِ لِلْآمِرِ، وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمِائَةِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ) أَيْ صَحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا، وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ بَطَلَ التَّأْخِيرُ فَيَكُونُ حَالًّا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّأْجِيلِ بِالشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ أَلْفٌ حَالَّةٌ إنْ دَفَعْت إلَيَّ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى مُؤَخَّرَةٌ عَنْك إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُؤَجَّلُ الْقَرْضُ لِكَوْنِهِ إعَارَةً وَصِلَةً فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ وَالْوَصِيِّ، وَمُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً، وَهُوَ رِبًا، وَمُرَادُهُمْ مِنْ الصِّحَّةِ اللُّزُومُ، وَمِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الْقَرْضِ عَدَمِ اللُّزُومِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ تَأْجِيلُ بَدَلِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إذْ بِاسْتِهْلَاكِهَا لَا تَصِيرُ قَرْضًا.

وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضَ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَيُؤَجِّلُ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِذَا لَزِمَ فَإِنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِلَّا أَقَرَّ الْمُحِيلُ بِقَدْرِ الْمُحَالِ بِهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَرْضُ الْمَجْحُودُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ قَضَى الْقَاضِي بِلُزُومِ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ تَأْجِيلُ الْقَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يَصِحُّ، وَيَلْزَمُ الْأَجَلُ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ لَوْ كَفَلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ، وَإِنْ كَانَ قَرْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ، وَهِيَ حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ إذْ يَثْبُتُ ضِمْنًا مَا يَمْتَنِعُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا أُجِّلَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ إذْ مَوْضُوعُهَا أَنْ يُضِيفَ إلَى اللَّازِمِ بِالْكَفَالَةِ لَا الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ عُكِسَ تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا حَذْوَ الْإِبْرَاءِ. اهـ.

وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ شَيْئًا، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْهِدَايَةِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ، وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي اهـ.

وَلَا يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ كَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ قَرْضٌ عَلَى إنْسَانٍ فَأَوْصَى أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً صَحَّ، وَلَزِمَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَنْحَصِرُ فِي الْقَرْضِ بَلْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ فِي صُوَرِ الْأُولَى لَوْ مَاتَ الْمَدْيُون، وَحَلَّ الْمَالُ فَأَجَّلَ الدَّائِنُ وَارِثَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي لَهُ الزِّيَادَةَ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي هَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَهِيَ حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَقْرَضَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ عَنْهُ إلَى وَقْتٍ كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى وَقْتِهِ، وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ حَالًّا. اهـ.

، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا، وَنَقَلَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيَّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْغِيَاثِيَّةِ مَا يُوَافِقُ مَا فِي السِّرَاجِ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مِثْلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرَ الْحَصِيرِيِّ فِي التَّحْرِيرِ، وَأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ كَلَامُهُ وَحَدَهُ مَعَ كَلَامِ كُلِّ الْأَصْحَابِ لَا يُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ بَلْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ فِي صُوَرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعْطِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ أَصْلًا لَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ إذْ جَعَلَهُ مُلْحَقًا بِالْقَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْجِيلَ الدُّيُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ اهـ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ هُنَا مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَالْمُضِيُّ وَبِالصَّحِيحِ مَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>