آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَزَادَ عَلَيْهَا دَانِقًا فَوَهَبَهُ دَانِقًا، وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الشِّرَاءِ لَا يَفْسُدُ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ الدَّانِقَ مِنْهُ انْعَدَمَ الرِّبَا قَالُوا إنَّمَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّانِقِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ بِحَيْثُ يَضُرُّهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ هِبَةٌ مُشَاعٌ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ.
وَفِي جَمْعِ الْعُلُومِ الرِّبَا شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ لِأَنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ نَسِيئَةً رِبًا، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ زِيَادَةٌ. اهـ.
وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ لِأَنَّ فِيهِ فَضْلًا حُكْمِيًّا، وَالْفَضْلُ فِي عِبَارَتِهِ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْحَقِيقِيِّ، وَظَاهِرُ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ إذَا قَبَضَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ، وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ النَّهْيِ فَقَالُوا إنَّ الرِّبَا وَسَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَفِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ مِنْ الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَشْتَرِي الذَّهَبَ الرَّدِيءَ زَمَانًا الدِّينَارُ بِخَمْسَةِ دَوَانِقَ ثُمَّ تَنَبَّهَ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُمْ فَأَبْرَؤُهُ عَمَّا بَقِيَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَهْلَكًا فَكَتَبْت أَنَا وَغَيْرِي أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَكَتَبَ رُكْنُ الدِّينِ الرَّانْجَاوِيُّ الْإِبْرَاءُ لَا يُعْمَلُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَالَ أَجَابَ بِهِ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيُّ مُعَلِّلًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْته عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَرُبَ مِنْ ظَنِّي أَنَّ الْجَوَابَ كَذَلِكَ مَعَ تَرَدُّدٍ فَكُنْت أَطْلُبُ الْفَتْوَى لِأَمْحُوَ جَوَابِي عَنْهُ فَعَرَضْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَلَاءِ الدِّينِ الْحَنَّاطِيِّ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَبْرَأُ إذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَغَضِبَ مِنْ جَوَابِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فَازْدَادَ ظَنِّي بِصِحَّةِ جَوَابِي، وَلَمْ أَمْحُهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي غِنَاءِ الْفُقَهَاءِ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ جُمْلَةُ الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ يُمْلَكُ الْعِوَضُ فِيهَا بِالْقَبْضِ قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ فَضْلُ الرِّبَا مَمْلُوكًا لِلْقَابِضِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَى مِلْكِهِ ضَمِنَ مِثْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ وَرَدَّ مِثْلَهُ يَكُونُ ذَلِكَ رَدَّ ضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَهُ لَا رَدَّ عَيْنِ مَا اُسْتُهْلِكَ، وَبِرَدِّ ضَمَانِ مَا اُسْتُهْلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ السَّابِقُ بَلْ يَتَقَرَّرُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ فِي فَضْلِ الرِّبَا فَلَمْ يَكُنْ فِي رَدِّهِ فَائِدَةُ نَقْضِ عَقْدِ الرِّبَا فَيَجِبَ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا إنْ كَانَ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ انْتَهَى مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ مِنْهَا {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا الْفَضْلُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِيَتَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ
ــ
[منحة الخالق]
غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالتَّبَرُّعَاتِ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ إلَخْ) هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَصْدُقُ عَلَى رِبَا النَّسِيئَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي صُورَةِ زِيَادَةِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ الْغَيْرِ الْحَاضِرِ عَلَى الْآخَرِ الْحَاضِرِ فَضْلٌ لَكِنْ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ لِأَنَّ نَقْدِيَّةَ الْحَاضِرِ عِوَضٌ لِفَضْلِ غَيْرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا عِوَضًا، وَالْمُرَادُ الْعِوَضُ الشَّرْعِيُّ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ قَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّسَاوِي بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ آنِفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ تَعْرِيفُ الرِّبَا الْحَقِيقِيِّ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا هُوَ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِ مَا ذَكَرَ عَنْ التَّعْرِيفِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَرَدَّ مِثْلَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لَا عَلَى الْإِبْرَاءِ فَهُوَ فِعْلُ مَاضٍ، وَمِثْلَهُ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ فَيَجِبَ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) بِنَصَبِ يَجِبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِيَجِبَ بِاللَّامِ، وَفِي بَعْضِهَا فَكَيْفَ يَجِبُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ تَعَلَّقَ بِسَبَبِهِ حَقَّانِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدُّ ضَمَانِهِ إنْ مُسْتَهْلَكًا، وَحَقُّ الشَّرْعِ، وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ بِنَقْضِ الْعَقْدِ السَّابِقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَإِبْرَاءُ الْعَبْدِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا شَكَّ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا عَمَلَ لِإِبْرَائِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا لَهُ.
وَقَدْ تَعَذَّرَ بِعَدَمِ التَّصَوُّرِ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ رُكْنِ الدِّينِ مَفْرُوضٌ فِيهِ أَلَا تَرَاهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ ضَمَانُهُ قَابِلٌ لِلْإِبْرَاءِ فَالْوَاجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الضَّمَانَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي الذِّمَّةِ يَقَعُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ، وَأَمَّا حَقُّ الشَّرْعِ فَلِصَاحِبِهِ لَا دَخْلَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِإِبْرَائِهِ تَأَمَّلْ، وَقَدْ قَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ بِسَبْعِ وَرَقَاتٍ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى كَذَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الرِّبَا لَا يَصِحُّ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ اهـ كَلَامُ شَيْخِ شَيْخِنَا السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْحَادِثَةَ كَانَتْ فِي الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ كَمَا قَرَّرَهُ فَحُمِلَ كَلَامُ رُكْنِ الدِّينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْإِبْرَاءِ عَنْ الرِّبَا نَفْسِهِ، وَإِنْ صَحَّ فِي ذَاتِهِ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْحَادِثَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا رَدُّ ضَمَانِهِ) يَعْنِي حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَأَمَّا رَدُّهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَوَاجِبٌ سَيِّدٌ حَمَوِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute